ولكن أكثر الناس المبعوث إليهم لا يشكرون فضل الله، فيشركون ولا يتنبهون، ولا يعرفون نعمة الله عليهم بإرسال الرسل إليهم، بل {بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ}[إبراهيم ٢٨/ ١٤].
وبعد أن أبطل يوسف عليه السّلام عبادة الشرك والمشركين، وأثبت النبوة، دعا إلى التوحيد الخالص القائم على الاعتراف بإله واحد ورب واحد، لا بآلهة متعددة، وهكذا مبدأ الأنبياء يهدمون عبادة الوثنية أولا، ثم يقيمون الأدلة العقلية على وجود الله ووحدانيته، فقال:{أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ.} ..
أي يا صاحبيّ في السجن، هل تعدد الآلهة وتشتت الأرباب المتفرقين في الذوات والصفات التي تدعو إلى النزاع والتصادم وفساد الكون خير لكما ولغيركما في طلب النفع ودفع الضر والإعانة في عالم الغيب، أو الله الواحد الأحد الذي لا يحتاج لغيره ولا ينازع في تصرفه وتدبيره، القهار بقدرته وإرادته، الذي ذل كل شيء لجلاله وعظمته؟! ثم بين حقيقة آلهتهم فقال:{ما تَعْبُدُونَ..}. أي إن تلك الآلهة التي تعبدونها وتسمونها آلهة إنما هي أسماء مجردة لمسميات وضعوها من تلقاء أنفسهم، ليس لها مقومات، ولا مستند من عند الله، وما أنزل الله بتسميتها أربابا حجة ولا برهانا، حتى تصح عبادتها ويطيعها الناس، إنها تسمية لا دليل عليها من عقل ولا نقل سماوي.
ثم أخبرهم أن الحكم والتصرف والمشيئة والملك كله لله، وقد أمر عباده قاطبة ألا يعبدوا إلا إياه، وهذا الذي أدعوكم إليه من توحيد الله وإخلاص العمل له هو الدين المستقيم الذي أمر الله به، وأنزل به الحجة والبرهان الذي يحبه ويرضاه.
ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك هو الدين الحق الذي لا عوج فيه، فلهذا كان أكثرهم مشركين، كما قال تعالى:{وَما أَكْثَرُ النّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}[يوسف ١٠٣/ ١٢].