قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ} [آل عمران ٣/ ٤٢ - ٤٣] وهذا القدر حاصل لهن، ولكن لا يلزم من هذا أن يكنّ نبيّات بذلك (١).
ثم هدد الله المشركين على تكذيبهم بالرّسول صلّى الله عليه وسلّم فقال متعجّبا:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ.}. أي أفلم يسر هؤلاء المكذّبون لك يا محمّد في الأرض، فينظروا ويروا كيف كان مصير الأمم المكذّبة للرّسل، كيف دمّر الله عليهم، كقوم نوح وهود وصالح ولوط، وللكافرين أمثالها، فإن عاقبة الكافرين الهلاك، وعاقبة المؤمنين النّجاة.
ثم حضّ الله تعالى على العمل لدار الآخرة والاستعداد لها واتّقاء المهلكات فقال:{وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} أي إن الدّار الآخرة خير للذين خافوا الله فلم يشركوا به ولم يعصوه، فهي أفضل من هذه الدّار للمشركين المكذّبين بالرّسل، أي وكما نجّينا المؤمنين في الدّنيا، كذلك كتبنا لهم النّجاة في الدّار الآخرة، وهي خير لهم من الدّنيا بكثير؛ فإن نعيم الآخرة أكمل من نعيم الدّنيا، وأبقى وأخلد.
{أَفَلا تَعْقِلُونَ} أي أجهلتم؟ فلا تعقلون أيها المكذّبون بالآخرة، فإنكم لو عقلتم ذلك لآمنتم.
ثم بشر الله نبيّه بالنّصر بإخباره أن نصره تعالى ينزل على رسله عليهم السّلام عند ضيق الحال واشتداد الأزمة وانتظار الفرج من الله تعالى في أحرج الأوقات إليه، فقال:{حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ.}. فيه محذوف، أي وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم، فبلغوا أقوامهم رسالتهم الدّاعية إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له، فكذّبوهم وتمادى أقوامهم في الطغيان والكفر والعناد،