للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

داع أن يدعو لنفسه ولوالديه ولذريته. وقد استجاب الله دعاه في بعض ذريته دون بعض. وكان هذا الدعاء حين ترك هاجر وابنه إسماعيل، وهو رضيع، في مكة، قبل بناء البيت الحرام.

ثم ذكر أنه افتتن بعبادة الأصنام كثير من الناس فقال: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ.}. أي يا رب إن الأصنام كانت سببا في ضلال كثير من الناس عن طريق الهدى والحق، حتى عبدوهن. وقد أضيف الإضلال إلى الأصنام؛ لأنها كانت سببا في الضلال عند عبادتها، وذلك بطريق المجاز، فإن الأصنام جمادات لا تفعل.

{فَمَنْ تَبِعَنِي.}. أي فمن صدقني في ديني واعتقادي، وسار على منهجي في الإيمان بك وبتوحيدك الخالص، فإنه مني، أي على سنتي وطريقتي، مثل «من غشنا فليس منا» أي ليس على سنتنا، ومن عصاني فلم يقبل ما دعوته إليه من التوحيد لك وعدم الشرك بك، فإنك قادر على أن تغفر له وترحمه بالتوبة.

وهذا صريح في طلب المغفرة والرحمة لأولئك العصاة غير الكفار؛ لأنه عليه السلام تبرأ في مقدمة هذه الآية عن الكفار بقوله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ}، ولأنه أيضا بقوله: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} يدل بمفهومه على أن من لم يتبعه على دينه، فإنه ليس منه، ولا يهتم بإصلاح شؤونه، ولأن الأمة مجمعة على أن الشفاعة في إسقاط‍ عقاب الكفر غير جائزة، فكان قوله: {وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} شفاعة في العصاة غير الكفار.

عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلا قول إبراهيم عليه السلام:

{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النّاسِ.}. الآية، وقول عيسى عليه السلام:

{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ} الآية، ثم رفع يديه، ثم قال: «اللهم أمتي، اللهم أمتي، اللهم أمتي» وبكى، فقال الله تعالى: اذهب يا جبريل إلى محمد، وربك

<<  <  ج: ص:  >  >>