أعلم، وسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه السلام، فسأله، فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال، فقال الله تعالى: اذهب إلى محمد، فقال له: إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوؤك.
ثم دعا إبراهيم بدعاء ثان بعد بناء البيت الحرام لقوله:{عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}. وبعد الدعاء الأول الذي كان قبل بناء البيت، فقال:{رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ.}. أي يا ربنا إني أسكنت بعض ذريتي وهم إسماعيل ومن ولد منه، بواد لا زرع فيه وهو وادي مكة، عند بيتك المحرم أي الذي حرمت التعرض له والتهاون به، وجعلته محرما ليتمكن أهله من إقامة الصلاة عنده، فاجعل قلوب بعض الناس تسرع إليه شوقا ومحبة، وتحن وتميل إلى رؤيته. قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وغيرهم: لو قال: أفئدة الناس، لازدحم عليه فارس والروم واليهود والنصارى والناس كلهم، ولكن قال:{مِنَ النّاسِ} فاختص به المسلمون.
وارزق ذريتي من أنواع الثمار الموجودة في سائر الأقطار، ليكون ذلك عونا لهم على طاعتك، وكما أنه واد غير ذي زرع، فاجعل لهم ثمارا يأكلونها.
وقد استجاب الله دعاءه، كما قال:{أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً، يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ، رِزْقاً مِنْ لَدُنّا}[القصص ٥٧/ ٢٨] وتحقق فضل الله ورحمته وكرمه، فبالرغم من أنه ليس في البلد الحرام:«مكة» شجرة مثمرة، فإنه تجبى إليها ثمرات ما حولها من البلاد، من أنواع ثمار الفصول الأربعة، استجابة لدعاء الخليل عليه السلام.
{لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} أي وارزقهم من أنواع الثمار ليشكروك على جزيل نعمتك، أو رجاء أن يشكروك بإقامة الصلاة وكثرة العبادة. وفيه إيماء إلى أن تحصيل منافع الدنيا إنما هو للاستعانة بها على أداء العبادات وإقامة الطاعات.