السلام، كما تقدم في سورة هود [٧١] وفي سورة الصافات: {وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ}[١١٢].
{قالَ: أَبَشَّرْتُمُونِي.}. أجاب إبراهيم متعجبا من مجيء ولد حال كبره وكبر زوجته، ومتحققا من الوعد، أبشرتموني بذلك بعد أن أصابني الكبر، فبأي أعجوبة تبشروني، أو إنكم تبشرونني بما هو غير متصور في العادة، فبأي شيء تبشرون؟ يعني لا تبشرونني في الحقيقة بشيء؛ لأن البشارة بمثل هذا بشارة بغير شيء.
فأجابوه مؤكدين لما بشروه به:{قالُوا: بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ.}. أي قال ضيوف إبراهيم له: بشرناك بما هو حق ثابت؛ إذ هو صنع الله ووعده الذي لا يتخلف، فلا تكن من القانطين اليائسين، فالذي أوجد الإنسان من التراب من غير أب وأم قادر على إيجاده من أي شيء، كأبوين عجوزين، أي أن إبراهيم استعظم نعمة الله عليه في وقت غير مألوف عادة، لا أنه استبعد ما هو داخل في نطاق القدرة الإلهية.
فأجابهم {قالَ: وَمَنْ يَقْنَطُ.}. أي أجاب إبراهيم الضيوف بأنه ليس يقنط، فإنه يعلم من قدرة الله ورحمته ما هو أبلغ من ذلك، ولا ييأس من رحمة الله إلا الضالون: أي المخطئون طريق الصواب، كما قال يعقوب:{إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ}[يوسف ٨٧/ ١٢].
ثم بعد تأكد إبراهيم الخليل عليه السلام من هذه البشرى وعلمه أنهم ملائكة، وذهاب الروع عنه، سألهم عن أمرهم بسبب مجيئهم مختفين:{قالَ: فَما خَطْبُكُمْ.}. أي قال لهم: فما شأنكم وما الأمر الذي أرسلتم به غير البشرى أيها الملائكة المرسلون؟ كأنه فهم من قرائن الأحوال أن لهم مهمة أصلية غير البشرى؛ لأن البشرى كما حدث لزكريا ومريم يكفيها واحد.