من قبلهم من الأمم، أي رسلا من جنسهم وطبيعتهم:{قُلْ: سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاّ بَشَراً رَسُولاً}[الإسراء ٩٣/ ١٧]، {قُلْ: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ}[الكهف ١١٠/ ١٨].
قال ابن عباس: لما بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم رسولا، أنكرت العرب ذلك، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا، فأنزل الله تعالى:{أَكانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النّاسَ.}. الآية.
{فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ.}. أي فاسألوا أهل العلم وأهل الكتب الماضية:
أبشرا كانت الرّسل إليهم أم ملائكة؟ فإن كانوا ملائكة أنكرتم، وإن كانوا بشرا فلا تنكروا أن يكون محمد صلّى الله عليه وسلّم رسولا.
{بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ.}. أي أرسلناهم بالحجج والدلائل التي تشهد لهم بصدق نبوّتهم، وبالكتب المشتملة على التّشريع الرّبّاني. والزّبر: جمع زبور أي كتاب، تقول العرب: زبرت الكتاب: إذا كتبته، قال تعالى:{وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ}[الأنبياء ١٠٥/ ٢١]، وقال تعالى:{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ}[القمر ٥٢/ ٥٤]. وفي الآية:{بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ} تقديم وتأخير، أي ما أرسلنا من قبلك بالبيّنات والزّبر إلا رجالا، أي غير رجال، فكلمة {إِلاّ} بمعنى غير، كقوله: لا إله إلا الله.
{وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ.}. أي وكما أنزلنا الكتب إلى من قبلك يا محمد، أنزلنا إليك القرآن، لتبيّن للناس ما أنزل إليهم من ربّهم من الشرائع والأحكام والحلال والحرام وقصص الأمم الماضية التي أبيدت وأهلكت لتكذيبها الأنبياء، لعلمك بمعاني ما أنزل الله عليك.
{وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} أي ومن أجل أن يتفكّروا وينظروا في حقائق الكون وأسرار الحياة وعبر التاريخ، فيهتدون، ويفوزون بالنّجاة في الدّارين.