وبعد فتح باب الأمل أمامهم، حذّرهم تعالى سوء ما هم عليه من الكفر والعصيان، فقال تعالى:{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ.}. أي إنه تعالى يخبر عن حلمه وإمهاله العصاة الذين يعملون السّيئات ويدعون إليها، ويمكرون بالناس في دعائهم لما هم عليه من الضلال. والمكر في اللغة: عبارة عن السعي بالفساد على سبيل الإخفاء.
والمعنى: أفأمن الذين مكروا السيئات برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم أهل مكة، وحاولوا صدّ الناس عن الإيمان بدعوته، أحد أمور أربعة:
الأول-أن يخسف بهم الأرض، كما فعل بقارون.
الثاني-أو يأتيهم العذاب فجأة من حيث لا يشعرون به، كما صنع بقوم لوط.
الثالث-أو يأخذهم في تقلّبهم في الليل والنهار أو في أسفارهم ومتاجرهم واشتغالهم في المعايش والأشغال الملهية، فلا يعجزون الله على أي حال كانوا عليه.
الرابع-أو يأخذهم على تخوّف أي في حال خوفهم بأن يهلك الله قوما، فيتخوّفوا، فيأخذهم بالعذاب، وهم متخوفون متوقعون، وهو خلاف قوله تعالى:{مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} فإن العذاب المتوقّع مع الخوف الشديد أبلغ وأشدّ من حال المفاجأة؛ لأن العقاب في حال الإرهاب، وإنهاك الأعصاب، وإخافة النفوس أشدّ من العقاب المفاجئ. وقيل: التّخوّف: التّنقص من الأموال والأرزاق، والأنفس، على لغة هذيل كما بيّنّا.
{فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ} أي إن الله تعالى لم يعجل بعذابهم، ولم يعاجلهم بالعقوبة؛ لأنه رؤف رحيم بعباده، فترك لهم وقتا يتمكنون من تلافي التّقصير، واستدراك الأخطاء، والعدول عن الضّلال.