{يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي يأمركم بما يأمركم به من الخير، وينهاكم عما ينهاكم عنه من الشّر، لتتعظوا وتتذكروا وتعملوا بما فيه مرضاة الله تعالى، فقوله تعالى:{لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ليس المراد منه التّرجي والتّمني، فإن ذلك محال على الله تعالى، فوجب أن يكون معناه: أنه تعالى يعظكم لإرادة أن تتذكّروا طاعته، وهو يدلّ على أنه تعالى يريد الإيمان من الكلّ.
وبعد أن ذكر الله تعالى كلّ المأمورات والمنهيات في الآية الأولى على سبيل الإجمال، خصص بعضها بالذّكر، فبدأ بالأمر بالوفاء بالعهد، فقال تعالى:
{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ.}. أي ووفوا بالعهود والمواثيق، وحافظوا على الأيمان المؤكدة، وعهد الله: كلّ ما يجب الوفاء به، من تطبيق أحكام الإسلام، وكلّ عهد يلتزمه الإنسان باختياره، والوعد من العهد، كما قال ابن عباس.
ثم أكّد الله تعالى ضرورة الوفاء بالعهد بقوله:{وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها.}. أي واحذروا نقض العهود وأيمان البيعة على الإسلام بعد توثيقها باسم الله. وأكّد ووكّد لغتان فصيحتان. والمراد بالأيمان هنا: هي الدّاخلة في العهود والمواثيق، أي أيمان العهد أو الأحلاف المعقودة، لا الأيمان التي هي واردة على حثّ أو منع.
روى أحمد ومسلم عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية، فإنه لا يزيده الإسلام إلا شدّة» يعني في نصرة الحق والقيام به، والمعنى: أن الإسلام لا يحتاج معه إلى الحلف الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه، فإن في التّمسك بالإسلام كفاية عما كانوا فيه.
وهذا مثل حلف الفضول الذي ذكره ابن إسحاق فقال: اجتمعت قبائل من قريش في دار عبد الله بن جدعان لشرفه ونسبه، فتعاقدوا وتعاهدوا ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها أو غيرهم إلا قاموا معه، حتى تردّ عليه مظلمته. فسمّت