للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قريش ذلك الحلف حلف الفضول، أي حلف الفضائل. {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} أي شهيدا.

ثمّ جعل الله تعالى نفسه رقيبا على العهود لتأكيد احترامها: {إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ} أي إنه مطّلع ومراقب كلّ ما تفعلونه في العهود، من البرّ بها أو النّقض لها، ومحص ذلك عليكم، ومجازيكم على أفعالكم، ثوابا ورضا في حال البرّ والوفاء، وعقابا وسخطا في حال النّقض والعبث والإخلال بأحكام المعاهدة.

وهذا وعد للطائع، ووعيد وتهديد للمخالف الذي ينقض عهده بعد توكيده.

ثم أكّد الله تعالى حرمة العهد مرّة ثالثة فقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ..}. أي ولا تكونوا في نقض العهود والمواثيق كالتي نقضت غزلها بعد إبرامه. قال عبد الله بن كثير والسّدّي: هذه امرأة خرقاء كانت بمكّة، كلما غزلت شيئا نقضته بعد إبرامه. واسمها: ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة.

أو هو مثل لمن نقض عهده بعد توكيده كما قال مجاهد وغيره، فمن نقض العهد كان كمن نقض الغزل بعد فتله وإبرامه، فهو ليس من فعل العقلاء، وإنما في زمرة الحمقى. والأنكاث: الأنقاض.

{تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ.}. أي تجعلون أيمانكم على الوفاء بالعهد خديعة ومكرا وتغريرا بالطرف الآخر، من أجل أن تكون جماعة أقوى وأكثر عددا وعدّة من جماعة أخرى، بل عليكم الوفاء بالعهود والحفاظ‍ عليها.

فقوله تعالى: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ} معناه أنكم تحلفون للناس إذا كانوا أكثر منكم، ليطمئنوا إليكم، فإذا أمكنكم الغدر بهم، غدرتم، فنهى الله عن ذلك، لينبّه بالأدنى على الأعلى، أي إذا نهاكم عن الغدر في هذه الحالة، فلأن ينهى عنه مع التّمكن والقدرة بطريق الأولى. وأربى: أكثر.

<<  <  ج: ص:  >  >>