الدين والدنيا، أما الأولى فهو أنه مهبط الأنبياء، وأما الثانية فهو إحاطته بخيرات الدنيا، لما اشتمل عليه من أنهار وأشجار وأثمار تكون سببا في توفير المعايش والأقوات.
والهدف من الإسراء: أن يري الله عبده آياته الكبرى، وأدلته العظمى على وجوده ووحدانيته وعظم قدرته، فكانت فائدة الإسراء مختصة بالله تعالى وعائدة إليه على سبيل التعيين.
ولا عجب في ذلك كله، فالله سبحانه هو السميع لكل قول، البصير بكل نفس، الذي يضع الأمور في مواضعها على وفق الحكمة، وبمقتضى الحق والعدل.
ومن ذلك: سماعه أقوال المشركين وتعليقاتهم على حادث الإسراء واستهجانهم لوقوعه، واستهزاؤهم بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلم في إسرائه من مكة إلى القدس. وبصره بما يفعل أولئك المشركون، وبما يكيدون لنبي الله ورسالته (١).
{وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ.}. بعد أن ذكر الله إكرام محمد صلّى الله عليه وآله وسلم من نسل إسماعيل بالإسراء وإمامة الأنبياء في المسجد الأقصى، ذكر في هذه الآية إكرام موسى عليه السلام قبل محمد صلّى الله عليه وآله وسلم بالكتاب الذي آتاه وأعطاه إياه، وهو التوراة، الذي جعله الله هدى وهداية، ليخرج بني إسرائيل بواسطة ذلك الكتاب من ظلمات الجهل والكفر إلى نور العلم والدين الحق، وقلنا: لا تتخذوا من دوني وكيلا، أي لا تتخذوا من دون الله وكيلا تفوضون إليه أموركم، فقوله:
{وَكِيلاً} معناه: ربا تكلون إليه أموركم.
(١) يلاحظ أن الاية انتقل فيها من الغيبية إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبية، فقوله سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ في ذكر الله على سبيل الغيبة، وقوله: بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا انتقال إلى الحضور، وقوله: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ يدل على الغيبة. ثم انتقل إلى الحضور بقوله: وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يدل على الحضور أي الخطاب. وهذا يسمى الالتفات.