الثاني- {وَلا تَنْهَرْهُما} أي ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح. والفرق بين النهي عن التأفف والنهي عن الانتهار: أن الأول للمنع من إظهار الضجر بالقليل أو الكثير، وأن الثاني للمنع من إظهار المخالفة في القول، بالرد أو التكذيب، فالتأفف: الكلام الرديء الخفي، والنهر: الزجر والغلظة.
الثالث- {وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً} أي وقل لهما قولا لينا طيبا حسنا مقرونا بالتوقير والتعظيم والحياء والأدب الجم. ويلاحظ أنه تعالى قدم النهي عن المؤذي، ثم أمر بالقول الحسن والكلام الطيب؛ لأن التخلي مقدم على التحلي، ومنع الأذى أولى من إحسان القول والفعل. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه مفسرا القول الكريم: هو أن يقول له: يا أبتاه يا أماه، أي لا يدعوهما بأسمائهما، ولا يرفع الصوت أمامهما، ولا يحملق بنظره فيهما، وسئل سعيد بن المسيّب عن القول الكريم فقال: هو قول العبد المذنب للسيد الفظّ.
الرابع- {وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} أي تواضع لهما بفعلك، والمقصود منه المبالغة في التواضع وإلانة الجانب، فإن خفض الجناح كناية عن فعل التواضع، وتشبيه بحال الطائر إذا ضم إليه فرخه، فيخفض له جناحه.
والتواضع ينبغي أن يكون رحمة بهما وشفقة عليهما، لا لأجل امتثال الأمر وخوف العار والنقد فقط.
الخامس- {وَقُلْ: رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً} أي اطلب لهما الرحمة من الله في حال كبرهما وعند وفاتهما. قال القفال رحمه الله تعالى: إنه لم يقتصر في تعليم البر بالوالدين على تعليم الأقوال، بل أضاف إليه تعليم الأفعال، وهو أن يدعو لهما بالرحمة، فيقول:{رَبِّ ارْحَمْهُما} ولفظ الرحمة جامع لكل الخيرات في الدين والدنيا. وقوله {كَما رَبَّيانِي صَغِيراً} أي أحسن إليهما كما أحسنا إلي في تربيتهما إياي، والتربية: هي التنمية، وخصها بالذكر ليتذكر العبد شفقة الأبوين وتعبهما في التربية، فيزيده ذلك إشفاقا لهما وحنانا عليهما.