٣ - قال موسى عليه السلام:{هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً} والنبي لا يتبع غير النبي في التعليم.
والراجح أن الخضر لم يكن نبيا وإنما هو عبد صالح كما قرر علماء الكلام (التوحيد). والاستدلال بهذه الأدلة ضعيف، أما الدليل الأول: فلا يلزم أن يكون كل رحمة نبوة، فرحمة الله تعالى وسعت كل شيء. وأما الدليل الثاني: إن العلوم الضرورية تحصل ابتداء من عند الله، وذلك لا يدل على النبوة. وأما الدليل الثالث: فلا مانع يمنع النبي من اتباع غير النبي في العلوم التي لا تتعلق بالنبوة.
ودل قوله:{هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً} على أن المتعلم تبع للعالم، وإن تفاوتت المراتب، ولا يظن أن في تعلم موسى من الخضر ما يدل على أن الخضر كان أفضل منه؛ لأن الفضل لمن فضله الله، فإن كان الخضر وليا فموسى أفضل منه، وإن كان نبيا فموسى فضله الله بالرسالة. ولقد كان موسى عليه السلام محقا في إنكاره على العبد الصالح؛ لأن الأنبياء لا يقرّون على منكر، ولا يجوز لهم التقرير، لذا علّق صبره على ما يحدث من أمر في المستقبل على مشيئة الله، وأنه لا يدري كيف يكون حاله، لا أنه عزم الصبر على المعصية.
وقد ذكر الرازي في قول موسى:{هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً} أنواعا كثيرة من الأدب واللطف عند ما أراد أن يتعلم من الخضر، ذكر منها اثني عشر نوعا، منها: أنه جعل نفسه تبعا له، واستأذن في هذه التبعية، وأقر على نفسي بالجهل بقوله {تُعَلِّمَنِ} وعلى أستاذه بالعلم، وصرح بأنه يطلب الإرشاد والهداية.
وكان قول الخضر:{فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} أي حتى أكون أنا الذي أفسره لك، تأديبا وإرشادا لما يقتضي دوام