للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال محمد بن إسحاق: فلما حملت به، وملأت قلّتها، ورجعت، استمسك عنها الدم وأصابها ما يصيب الحامل على الولد من الوصب (المرض والضعف) والتوحم وتغير اللون، حتى فطر لسانها، فما دخل على أهل بيت ما دخل على آل زكريا، وشاع الحديث في بني إسرائيل، فقالوا: إنما صاحبها يوسف النجار (وهو رجل صالح من قراباتها، كان معها في المسجد يخدم معها البيت المقدس) ولم يكن معها في الكنيسة غيره، وتوارت من الناس، واتخذت من دونهم حجابا، فلا يراها أحد ولا تراه.

ويحسن أن نذكر مقطعا من حوار بين يوسف النجار ومريم، ذكره الثعلبي في العرائس عن وهب، قال: أخبريني يا مريم، هل ينبت زرع بغير بذر، وهل تنبت شجرة من غير غيث، وهل يكون ولد من غير ذكر؟ قالت: نعم، ألم تعلم أن الله أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر، وهذا البذر إنما حصل من الزرع الذي أنبته من غير بذر، ألم تعلم أن الله تعالى أنبت الشجرة من غير غيث، وبالقدرة جعل الغيث حياة الشجر، بعد ما خلق كل واحد منهما على حدة، أو تقول: إن الله تعالى لا يقدر على أن ينبت الشجرة حتى استعان بالماء، ولولا ذلك لم يقدر على إنباتها؟ فقال يوسف: لا أقول هذا، ولكني أقول: إن الله قادر على ما يشاء، فيقول له: كن فيكون.

فقالت له مريم: أو لم تعلم أن الله خلق آدم وامرأته من غير ذكر ولا أنثى؟ فعند ذلك زالت التهمة عن قلبه (١).


(١) تفسير الرازي: ٢٠١/ ٢١ - ٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>