وهذه الآية كقوله تعالى إخبارا عن إبراهيم حيث قال في دعائه:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}[إبراهيم ٣٧/ ١٤]. فليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يحنّ إلى رؤية الكعبة والطواف، والناس يقصدونها من سائر الجهات والأقطار.
وقد يستدل بقوله:{رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ} على أن الحج ماشيا لمن قدر عليه أفضل من الحج راكبا؛ لأنه قدّمهم في الذّكر، فدل على الاهتمام بهم، وقوة هممهم، وشدة عزمهم. قال ابن عباس: ما آسى على شيء فاتني، إلا أني وددت أني كنت حججت ماشيا؛ لأن الله يقول:{يَأْتُوكَ رِجالاً}(١).
والذي عليه أكثر العلماء أن الحج راكبا أفضل، اقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإنه حجّ راكبا، مع كمال قوته صلّى الله عليه وسلم.
وإنما قال:{يَأْتُوكَ} مع أن الإتيان للبيت الحرام، إشارة إلى أنه الداعي والقدوة لهم بعد، وفيه تشريف إبراهيم.
ثم أبان تعالى سبب النداء إلى الحج وحكمته فقال:
{لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ، وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ.}. أي أدعهم إلى الحج ليحضروا منافع لهم دينية بأن يحظوا برضوان الله، ودنيوية بما يصيبون من منافع البدن والذبائح والتجارات، وما يكون في ذلك الاجتماع العظيم من التعارف. وهذا دليل على جواز الاتجار في الحج.
وليذكروا اسم الله أي حمده وشكره والثناء عليه بالتكبير والتسبيح، على ما رزقهم من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم، وذلك في أيام معلومات هي أيام النحر الثلاثة أو الأربعة وهو قول الصاحبين ومالك، وقيل: عشر ذي
(١) رواه ابن سعد وابن أبي شيبة والبيهقي وجماعة عنه.