٦ - قوله تعالى:{فَكُلُوا مِنْها} يراد منه الإباحة، مثل قوله:{وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا}[المائدة ٢/ ٥] وقوله: {فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ}[الجمعة ١٠/ ٦٢] أو يراد منه الندب والاستحباب، فيستحب للرجل أن يأكل من هديه وأضحيته، وأن يتصدق بالأكثر، مع تجويز الصدقة بالكل وأكل الكل عند المالكية. وذلك خلافا لما كان عليه أهل الجاهلية من التحرج عن الأكل من الهدايا، فأباح النص الأكل منها أو ندب إليه لقصد مواساة الفقراء.
لكن جواز الأكل من الهدايا ليس عاما في كل هدي، فإن دم الجزاء لا يجوز لصاحبه الأكل منه اتفاقا، ودم التطوع يجوز الأكل منه اتفاقا.
أما دم التمتع والقران: فقال الشافعية: إنه دم جبر، فلا يجوز لصاحبه الأكل منه. ورأى الحنفية أنه دم شكر، فأباحوا لصاحبه الأكل منه، عملا بظاهر الآية، فإنها رتبت قضاء التفث على الذبح والطواف، ولا دم تترتب عليه هذه الأفعال إلا دم المتعة والقران، فإن سائر الدماء يجوز ذبحها قبل هذه الأفعال وبعدها، فدل ذلك على أن المراد في الآية دم المتعة والقران.
وثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلم أكل من البدن التي ساقها في حجة الوداع، وقد كان قارنا على الراجح عندهم. وإذا كان يجوز إطعام الأغنياء منها، جاز لصاحب الذبيحة أن يأكل منها، ولو كان غنيا.
ومشهور مذهب مالك رضي الله عنه أن صاحب الذبيحة لا يأكل من ثلاث من دماء الكفارات: جزاء الصيد، ونذر المساكين، وفدية الأذى، ويأكل مما سوى ذلك إذا بلغ محلّه، واجبا كان أو تطوعا. وإذا أكل مما منع منه، يغرم في قول راجح للمالكية قدر ما أكل؛ لأن التعدي إنما وقع على اللحم، وفي قول آخر: يغرم هديا كاملا.