ويتناشدون فيها الأشعار، فلما أنعم الله عليهم بنعمة الإسلام، أمرهم بأن يذكروه كذكرهم لآبائهم.
وروى القفال عن ابن عمر قال: طاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على راحلته القصواء، يوم الفتح، يستلم الركن بمحجنه، ثم حمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:
«أما بعد، أيها الناس: إن الله قد أذهب عنكم حميّة الجاهلية وتفككها، يا أيها الناس، إنما الناس رجلان: برّ تقيّ كريم على الله، أو فاجر شقيّ هيّن على الله، ثم تلا:{يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى، وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ.}. الآية [الحجرات ١٣/ ٤٩].
وخطب النّبي صلّى الله عليه وسلّم أيضا في حجة الوداع في ثاني أيام التشريق، فأرشد العرب إلى ترك تلك المفاخرات، وقال: «أيها الناس، إنّ ربّكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى، أبلّغت؟» قالوا: بلّغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وإبطال تلك العادة كان بالأمر بذكر الله ذكرا كثيرا مبالغا فيه، كما كانوا يذكرون آباءهم ومفاخرهم، بل أشدّ من ذكرهم آباءهم.
ثم ذكر ما يكون من الناس الذاكرين في الدعاء، ليأخذوا بأحسن الأحوال ويتركوا غيره، فقال: الناس في الحج قسمان:
قسم يقصر دعاءه على أمور الدنيا، والاستزادة من خيراتها، ويسكت عن الآخرة، وكأنها لا تخطر له ببال، ولا يهتم بشيء من أمورها، فيطلب الجاه والغنى والنصر على الأعداء ونحو ذلك من حظوظ الدّنيا، هذا القسم لا خلاق (لا حظّ) لهم في الآخرة، مما أعدّه الله للمتقين من رضوانه وجناته.