للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو مثل الذين يقلدون غيرهم، مثل ظلمات متراكمة في بحر عميق كثير الماء، تغمره الأمواج المتلاطمة، ويحجب نور الكواكب السماوية غيم كثيف، فهي ظلمات ثلاث: ظلمة البحر، وظلمة الموج، وظلمة السحاب، وكذا الكافر له ظلمات ثلاث: ظلمة الاعتقاد، وظلمة القول، وظلمة العمل، وهذه الظلمات حجبت عنه رؤية الحق وإدراك ما في الكون من عظات وآيات ترشد إلى الطريق الأقوم. قال الحسن: الكافر له ظلمات ثلاث: ظلمة الاعتقاد، وظلمة القول، وظلمة العمل. وقال ابن عباس: شبهوا قلبه وبصره وسمعه بهذه الظلمات الثلاث.

والمقصود من هذا المثل بيان أن الكافر تراكمت عليه أنواع الضلالات في الدنيا، فصار قلبه وبصره وسمعه في ظلمة شديدة كثيفة، لم يعد بعدها قادرا على تمييز طرق الصواب ومعرفة نور الحق. لذا قال تعالى: {ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ، إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها} أي إن تلك الظلمات الثلاث ظلمات متراكمة مترادفة، بعضها يعلو البعض الآخر، حتى إنه إذا مدّ الإنسان يده، وهي أقرب شيء إليه، لم يقرب أن يراها، فضلا عن أن يراها، ومعنى «لم يكد»: لم يقارب الوقوع، والذي لم يقارب الوقوع لم يقع.

{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ} أي من لم يهده الله ولم يوفقه إلى الهداية، فهو هالك جاهل خاسر، في ظلمة الباطل لا نور له، ولا هادي له، كقوله تعالى: {مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ} [الأعراف ١٨٦/ ٧]. {وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ} [الرعد ٣٣/ ١٣]، {وَيُضِلُّ اللهُ الظّالِمِينَ، وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ} [إبراهيم ٢٧/ ١٤]. وهذا مقابل لما قال في مثل المؤمنين {يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>