لرسوله أن الكفار متظاهرون على إيذائه، مع أنه لا يطلب منهم أجرا مطلقا، أمره بأن يتوكل عليه في أموره كلها لدفع جميع المضار، وجلب جميع المنافع، فمن يتوكل عليه فهو حسبه وكافيه من كل شر، وناصره، ثم أمره بأن ينزهه عن كل نقص كالشريك والولد، تنزيها مقترنا بحمده وشكره، فيقرن بين الحمد والتسبيح، قائلا: سبحان الله وبحمده، ولهذا
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول:
«سبحانك اللهم ربّنا وبحمدك» أي أخلص له العبادة والتوكل. ومعنى التوكل:
تفويض الأمر كله لله بعد اتخاذ الأسباب والوسائط المطلوبة شرعا وعقلا.
{وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً} أي كفاك الله عالما علما تاما بمعاصي عباده، لا تخفى عليه خافية، يعلم ما ظهر منها وما بطن، وهو محصيها عليهم، ومجازيهم عليها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظّاهِرُ وَالْباطِنُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[الحديد ٣/ ٥٧]. وفي هذا سلوة لرسوله، ووعيد للكفار إن لم يؤمنوا على كفرهم ومعاصيهم.
{الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيّامٍ، ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} أي أن الله الخبير العليم بكل شيء هو الذي أوجد السموات السبع والأرضين السبع في ستة أيام بقدرته وسلطانه، ثم استوى على العرش أعظم المخلوقات استواء يليق بعظمته، كما يقول السلف، وهو الأصح، واستولى على العرش كما يقول الخلف، يدبر الأمر، ويقضي بالحق، وهو خير الفاصلين. وكلمة {ثُمَّ} للترتيب الإخباري، لا للترتيب الزمني؛ لأنها ما دخلت على خلق العرش، بل على رفعه على السموات.