أعداء لنا لمخالفتهم ديننا وذهابهم بأموالنا التي استعاروها كما تقدم بيانه، وأننا مجتمع أخذنا حذرنا وأسلحتنا.
وكان هذا الاستنفار تجريدا لهم من أرض مصر وما فيها من أشجار وأنهار ومنازل عالية، وجعل ممتلكاتهم إرثا مشروعا لبني إسرائيل الذين كانوا عبيدا أذلاء مستضعفين في مصر. قال الحسن وغيره: رجع بنو إسرائيل إلى مصر بعد هلاك فرعون وقومه. وقيل: أراد بالوراثة هنا ما استعاروه من حليّ آل فرعون بأمر الله تعالى. قال القرطبي: وكلا الأمرين حصل لهم، والحمد لله، أي فقد عادوا إلى مصر وأصبحوا قادتها وسادتها وملاكها.
وتبع فرعون وقومه بني إسرائيل حين أشرقت الشمس. وكان سبب تأخر فرعون وقومه إما اشتغالهم بدفن بناتهم الأبكار الذين ماتوا في تلك الليلة بسبب وباء وقع فيهم، وإما لأن سحابة أظلتهم وظلمة أعاقتهم، فما تقشعت عنهم حتى أصبحوا.
فلما تقابل الجمعان بحيث يرى كل فريق صاحبه، خاف أصحاب موسى، وقالوا: لقد قرب منا العدو ولا طاقة لنا به، فالعدو وراءنا والبحر أمامنا، وساءت ظنونهم، وقالوا لموسى على جهة التوبيخ والجفاء:{إِنّا لَمُدْرَكُونَ} فردّ عليهم قولهم وزجرهم وذكّرهم وعد الله سبحانه بالهداية والظفر، قائلا لهم:
{كَلاّ} لم يدركوكم {إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ} أي معي بالنصر على العدو، وسيدلني على طريق النجاة.
فلما عظم البلاء واشتدّ خوف بني إسرائيل، ورأوا من الجيوش ما لا طاقة لهم بها، أمر الله تعالى موسى أن يضرب البحر بعصاه؛ لأنه تعالى أراد أن تكون الآية متصلة بموسى ومتعلقة في الظاهر بفعل يفعله، وإلا فضرب العصا ليس بفارق للبحر، ولا معين على ذلك بذاته إلا بما اقترن به من قدرة الله تعالى