ولما انفلق صار فيه اثنا عشر طريقا على عدد أسباط بني إسرائيل، ووقف الماء بينها كالجبل العظيم، وكأنه جمّد، فصار البحر طريقا يبسا بتأثير رياح لفحتها وجففتها وجعلتها كوجه الأرض، كما قال تعالى:{فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً، لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى}[طه ٧٧/ ٢٠].
وقرّب الله فرعون وقومه إلى البحر، والغيظ يملأ نفوسهم، ونار الحقد تغلي في قلوبهم كالمراجل، وأنجى موسى ومن معه أجمعين، ثم لما صار الآخرون في وسط البحر أطبقه عليهم وأغرقهم جميعا.
إنها آية وأي آية! عظة للمتعظ وعبرة للمعتبر المتأمل، حقا، إن الذي حدث في البحر آية عجيبة من آيات الله العظام الدالة على قدرته، وعلى صدق موسى عليه السلام من حيث كان معجزة له، وعلى اعتبار المعتبرين به أبدا.
وفي هذا تحذير شديد من الإقدام على مخالفة أمر الله تعالى، وأمر رسوله، ويكون فيه اعتبار وتسلية لمحمد صلّى الله عليه وسلم الذي كان يغتم بتكذيب قومه مع ظهور المعجزات، فلا تعجب يا محمد من تكذيب أكثر قومك لك، واصبر على إيذائهم، فلعلهم أن يصلحوا، لذا قال تعالى عقيب ذلك:
{وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} سواء من قوم فرعون أو من قوم موسى، فإنه لم يؤمن من قوم فرعون إلا مؤمن آل فرعون واسمه حزقيل، وابنته آسية امرأة فرعون، ومريم بنت ذا موسى العجوز التي دلت على قبر يوسف الصديق عليه السلام. وأما قوم موسى فبعد أن نجوا، عبدوا العجل، وقالوا:{لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً}!! [البقرة ٥٥/ ٢].