للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي إني أخشى عليكم إن كذبتم وخالفتم وأصررتم على الكفر عذاب يوم شديد الأهوال.

وقد دل هذا على أنه دعاهم إلى الإيمان بالله بالحسنى وبالترغيب والترهيب، والتخويف والبيان، بما هو النهاية في ذلك، فكان جوابهم:

{قالُوا: سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ} أي يستوي عندنا وعظك لنا وتحذيرك إيانا، وعدم وعظك أصلا، فإنا لا نرجع عما نحن عليه، كقوله تعالى: {وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ، وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} [هود ٥٣/ ١١]. وقال الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة ٦/ ٢]. وذريعتهم في عدم إيمانهم هي:

{إِنْ هذا إِلاّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ، وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} أي ما جئت به اختلاق الأولين وافتراؤهم وكذبهم، كما قالوا: {أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ} أو ما هذا الدين الذي نحن عليه إلا دين الأولين من الآباء والأجداد، ونحن تابعون لهم، سالكون سبيلهم، نعيش كما عاشوا، ونموت كما ماتوا، ولا بعث ولا معاد، ولا ثواب ولا عقاب ولا حساب، ولا جنة ولا نار، وما نحن بمعذّبين أبدا؛ لأنه ليس الأمر كما تقول.

{فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ} أي فكانت النتيجة أنهم كذبوا هودا عليه السلام فيما أتى به، واستمروا على تكذيبه ومخالفته وعناده، فأهلكهم الله بريح صرصر عاتية، أي ريح شديدة الهبوب ذات برد شديد جدا، فكان سبب إهلاكهم من جنس عملهم، فإنهم كانوا أعتى شيء وأجبره، فسلط‍ الله عليهم ما هو أعتى منهم وأشد قوة، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ، إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ} [الفجر ٦/ ٨٩ - ٧] وهم عاد الأولى، كما قال تعالى: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى} [النجم ٥٠/ ٥٣] وهم من نسل إرم بن سام بن نوح، وذات العماد: الذين كانوا

<<  <  ج: ص:  >  >>