بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ، وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ. يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ} [سبأ ١٢/ ٣٤ - ١٣]. وقال سبحانه بعد ذكر تسخير الرّيح:{وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنّاءٍ وَغَوّاصٍ}[ص ٣٧/ ٣٨]. وبه تبين أن الله جلّ جلاله سخر الجنّ كما سخر له الرّيح، فكانت الجن من جنده، تطيعه بما يأمر، وتعمل له ما يشاء من ضخم المباني والعمائر والتماثيل، وكانت التماثيل جائزة الصنع عندهم، والقدور الراسيات والجفان (الآنية الواسعة) التي كأنها الحياض لسعتها.
٨ - إسلام ملكة سبأ والإتيان بعرشها: عرفنا في البيان المتقدم في سورة النمل لقصة سليمان مع بلقيس ملكة سبأ أن طير الهدهد أخبره بوجود ملكة عظيمة في سبأ من بلاد اليمن تعبد مع قومها الشمس من دون الله، وأن لها عرشا عظيما مزينا بأنواع الجواهر واللآلئ، فأرسل سليمان رسالة لها مع الهدهد مضمونه:
فاستجابت بلقيس مع قومها لطلب سليمان بعد أن أقنعتهم بألا طاقة لهم بمواجهة جنود سليمان، وآثرت بكمال عقلها وفطنتها السلم والمصالحة والمسالمة والموادعة على الحرب والقتال، بالرغم من توافر قوة عسكرية كبيرة عندها:
فشيّد لها سليمان صرحا عظيما ومرّد أرضه بالزجاج، وهذا فن مستحدث لا عهد لأهل اليمن به، ثم لما دخلته حسبته ماء، فكشفت عن ساقيها لخوض الماء لئلا تبتل ثيابها بالماء، ثم أحضر لها عرشها من بلاد اليمن إلى بلاد الشام، ليكون دليلا على صدق نبوته، ومعجزة على صحة رسالته، وآية على قدرة الله العجيبة في خرق العادات وتجاوز المحسوسات، مما لم يكتشف العلم سره ونواميسه إلى الآن، فما كان من بلقيس إلا أن أسلمت وآمنت برسالة سليمان، فقالت:{رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ}.