{وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} أي وكان في مدينة ثمود وهي الحجر تسعة نفر أوغلوا في الفساد الذي لا أثر للصلاح فيه، فكانوا دعاة قومهم إلى الضلال والكفر وتكذيب صالح، وهم الذين تواطؤوا على عقر الناقة وعلى قتل صالح ومن آمن به، فقال تعالى:
{قالُوا: تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ، ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ: ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ، وَإِنّا لَصادِقُونَ} أي قال بعضهم لبعض في المشاورة بشأن صالح بعد أن عقروا الناقة: احلفوا لنباغتنه وأهله الذين آمنوا معه ليلا، فنقتلنهم، فهذا تحالف على قتل نبي الله صالح عليه السلام ليلا قتل غيلة، ثم تحالفوا على أن يقولوا لأولياء الدم أو القصاص إذا مات: ما حضرنا هلاكهم، ولا ندري من قتلهم، وإنا لصادقون في قولنا، أي إننا لم نحضر هلاك أحد الجانبين وهو أهل صالح، وإن فعلوا الأمرين معا. قال الزمخشري: وفي هذا دليل قاطع على أن الكذب قبيح عند الكفرة الذين لا يعرفون الشرع ونواهيه ولا يخطر ببالهم.
وهذا من الزمخشري على طريقة المعتزلة في أن العقل يدرك الحسن والقبح قبل الشرع، والكذب قبيح عقلا.
وكان تآمرهم على قتل صالح بعد أن توعدهم على عقرهم الناقة فقال لهم:
ولكن الله كادهم وأحبط مؤامرتهم وجعل الدائرة عليهم، فقال:{وَمَكَرُوا مَكْراً، وَمَكَرْنا مَكْراً، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} أي ودبروا مؤامرة وكادوا كيدا خفيا، ولكنا جازيناهم وأهلكناهم، وعجلنا لهم العقاب، دون أن يشعروا بمجيئه، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
{فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} أي فتأمل أيها الرسول وكل سامع كيف كان مصير تأمرهم أنا أهلكناهم وقومهم جميعا، ولم نبق أحدا منهم إلا الذين آمنوا بصالح عليه السلام.