أصل تركيبه، فقيل: هو مركب من ها التي للتنبيه ولم، وهو مذهب البصريين، وقيل: من هل وأم، وهو متعد ولازم، فالمتعدي كقوله:{قُلْ:}
{هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ}[الأنعام ١٥٠/ ٦] أي أحضروا شهداءكم، واللازم كقوله: هلم إلينا، وأقبلوا إلينا، وقوله:{وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ} إما المنافقون قالوا للمسلمين:
ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس (١)، وهو هالك ومن معه، فهلم إلينا، وإما يهود بني قريظة قالوا لإخوانهم من المنافقين: تعالوا إلينا وفارقوا محمدا، فإنه هالك، وإن أبا سفيان إن ظفر لم يبق منكم أحدا. وإما رجل من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لشقيقه في قلب المعركة: هلم إلي، قد تبع بك وبصاحبك، أي قد أحيط بك وبصاحبك.
{وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاّ قَلِيلاً} أي ولا يأتي المنافقون القتال إلا زمنا قليلا أو شيئا قليلا إذا اضطروا إليه، خوفا من الموت، كقوله تعالى:{ما قاتَلُوا إِلاّ قَلِيلاً}[الأحزاب ٢٠/ ٣٣].
ثم ذكر الله تعالى صفات أخرى لهم، فقال:
١ - {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} هذه صفة البخل، أي بخلاء بأنفسهم وأحوالهم وأموالهم، فلا يعاونونكم في الحرب بنفس ولا بمال ولا بمودة وشفقة، وكذا عند قسمة الغنيمة. وأشحة: جمع شحيح على غير القياس، والقياس: أشحاء، مثل خليل وأخلاء. والصواب: أن يعم شحهم كل ما فيه منفعة المؤمنين.
٢ - {فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ، تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} وهذه صفة الجبن والخوف، والبخل شبيه الجبن، فلما ذكر البخل بيّن سببه وهو الجبن، والمعنى: فإذا بدأ حدوث الخوف ببدء المعركة والقتال،