ما لا يمكن التحرز عنه، رحيما بك وبهم بدفع الحرج والعنت (المشقة)، وعدم العقاب على ذنب تابوا عنه. وفي الجملة: إن قوله: {وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} آنس به تعالى جميع المؤمنين بغفرانه ورحمته.
ثم أجاب الله تعالى عن غيرة بعض نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم مثل عائشة من النساء اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعن تفويضهن أمر القسم للرسول صلّى الله عليه وسلّم، فقال:
{تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ، وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ} أي لك يا رسول الله الحرية المطلقة في القسم بين زوجاتك، فلك أن تؤخر مضاجعة من تشاء من نسائك، وتبيت مع من تشاء، لا حرج لك أن تترك القسم لهن، ولا يجب عليك قسم، بل الأمر لك، فتقدم من شئت، وتؤخر من شئت. ومع هذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقسم لهن.
{وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ} أي ومن طلبت إلى المبيت معك ممن تجنبت وتركت البيتوتة معهن، فلا إثم ولا حرج ولا ضيق عليك في ذلك، وكذلك لا ضير عليك في إرجاع من طلقت منهن.
ثم أبان الله تعالى سبب هذا التفويض للنبي صلّى الله عليه وسلّم في الإيواء والإرجاء وأنه لمصلحتهن، فقال:
{ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ، وَلا يَحْزَنَّ، وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} أي إذا علمن أن الله قد وضع عنك الحرج في القسم وأنه غير واجب عليك، فإن شئت قسمت، وإن شئت لم تقسم، وأنت مع ذلك تقسم لهن باختيارك لا جبرا عنك، فرحن بذلك، واستبشرن به، وقدرن جميلك، واعترفن بمنتك عليهن في قسمك لهن، وتسويتك بينهن، وإنصافك لهن، وعدلك فيهن، ورضين كلهن بما تفعل، دون إقلاق ولا بلبلة.