للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضرب مثل، فقام قوم: المعنى: إنا عرضنا الأمانة وتضييعها على أهل السموات وأهل الأرض من الملائكة والإنس والجن، فأبين أن يحملن وزرها، مثل:

{وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف ٨٢/ ١٢] أي أهلها. فهذا مجاز مرسل. وقال قوم: إن الآية من المجاز-بنحو آخر-أي إنا إذا قايسنا ثقل الأمانة بقوة السموات والأرض والجبال، رأينا أنها لا تطيقها، وأنها لو تكلمت لأبت وأشفقت. وهذا كما تقول:

عرضت الحمل على البعير فأباه، وأنت تريد قايست قوته بثقل الحمل، فرأيت أنها تقصر عنه.

وقال آخرون: الحسن وغيره: العرض حقيقة أي أنه عرض على السموات والأرض والجبال الأمانة وتضييعها وهي الثواب والعقاب، أي أظهر لهن ذلك، فلم يحملن وزرها، وأشفقت، وقالت: لا أبتغي ثوابا ولا عقابا، وكل يقول:

هذا أمر لا نطيقه، ونحن له سامعون ومطيعون فيما أمرن به وسخّرن له. ولكن قال العلماء: معلوم أن الجماد لا يفهم ولا يجيب، فلا بد من تقدير الحياة، على القول الأخير. وهذا العرض عرض تخيير لا إلزام.

وقال القفّال وغيره: العرض في هذه الآية ضرب مثل، أي إن السموات والأرض والجبال على كبر أجرامها، لو كانت بحيث يجوز تكليفها لثقل عليها تقلد الشرائع، لما فيها من الثواب والعقاب، أي إن التكليف أمر حقه أن تعجز عنه السموات والأرض والجبال، وقد كلّفه الإنسان، وهو ظلوم جهول لو عقل.

وهذا كقوله: {لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ} [الحشر ٢١/ ٥٩] ثم قال:

{وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ} (الآية نفسها) قال القفال: فإذا تقرر أنه تعالى يضرب الأمثال، وورد علينا من الخبر ما لا يخرج إلا على ضرب المثل، وجب حمله عليه.

وعلى أي حال، المقصود بالآية بيان عظمة التكاليف وثقلها وتنبيه الإنسان

<<  <  ج: ص:  >  >>