تحت قصورها، وهم ماكثون فيها أبدا، ويستر عنهم خطاياهم وذنوبهم ولا يظهرها ولا يعذّبهم بها، بل يعفو ويصفح ويستر ويرحم وكان ذلك الوعد بإدخالهم الجنة وتكفير سيّئاتهم عند الله وفي حكمه فوزا عظيما كبيرا ونجاة من كل غمّ، وظفرا بكل مطلوب، وذلك كقوله جلّ وعلا:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّارِ، وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ، فَقَدْ فازَ}[آل عمران ١٨٥/ ٣]. وذكر تكفير السيئات بعد الإدخال في الجنة، مع أنه يكون قبله، لأن الواو لا تقتضي الترتيب، ولأن الأصل الإدخال، والتكفير تابع.
عن جابر رضي الله عنه قال: قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة». وقد نصّ الله تعالى على المؤمنات هنا مع أن أغلب الآيات يكون فيها خطاب الرجال شاملا للنساء، لئلا يتوهم أحد أن النساء لا يدخلن الجنات، لأن المرأة لا جهاد عليها. وهكذا في كل موضع يوهم اختصاص المؤمنين بالجزاء الموعود به، مع كون المؤمنات يشتركن معهم، ذكرهنّ الله صريحا (١).
{وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ} أي وليعذّب أهل النفاق وأهل الشرك بالهمّ والغمّ بسبب ما يشاهدونه من انتشار الإسلام وانتصار المسلمين وقهر المخالفين، وبما يصابون به من القهر والقتل والأسر في الدنيا، وبعذاب جهنم في الآخرة، لظنهم السيء بالله وحكمه وهو أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه يغلبون ويبادون، وأن كلمة الكفر تعلو كلمة الإسلام، كما حكى تعالى عنهم في آية أخرى وهي:{بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً}[الفتح ١٢/ ٤٨]. وإنما قدم المنافقين على المشركين، لأن ضررهم أشد، وخطرهم أعظم.