وقد دلت الآية الكريمة على أن الإيمان أخص من الإسلام، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، ويدل عليه حديث جبريل عليه السلام حين سأل عن الإسلام، ثم عن الإيمان، ثم عن الإحسان، فترقى من الأعم إلى الأخص، ثم للأخص، فالإيمان لا يحصل إلا بالقلب، فهو تصديق القلب مع الطمأنينة والثقة بالله، والإسلام أعم، فهو مجرد نطق باللسان بالشهادتين وإظهار الانقياد والخضوع لما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وهذا لا يمنع أن المؤمن والمسلم واحد عند بعض أهل السنة (١)، بدليل قوله تعالى عن لوط عليه السلام ومن آمن معه:{فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[الذاريات ٣٥/ ٥١ - ٣٦].
ثم حرضهم الله تعالى على الإيمان الصادق بقوله:
{وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً، إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي وإن تطيعوا الله ورسوله إطاعة تامة، وتخلصوا العمل وتصدقوا تصديقا صحيحا، لا ينقصكم من أجور أعمالكم شيئا، فلا تضيعوا أعمالكم بعدم الإخلاص، والله تعالى غفور ستار لمن تاب إليه وأناب وأخلص العمل، رحيم به فلا يعذبه بعد التوبة. وفيه حث على التوبة من الأعمال السالفة، وتسلية لقلوب من تأخر إيمانه، فالله تعالى يغفر لكم في كل وقت ما قد سلف، ويرحمكم بما أتيتم به.
ثم أبان الله تعالى صفات المؤمنين وحقيقة الإيمان بقوله:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا، وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ} أي إنما المؤمنون إيمانا صحيحا خالصا وهم المؤمنون الكمّل هم الذين صدقوا بالله تعالى ورسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم تصديقا