٥ - بادر إبراهيم عليه السلام إلى إكرامهم، لما اشتهر عنه من الكرم، ولأن الضيافة من آداب الدين، وكان في إعداده الطعام لهم في غاية الأدب والتكريم والسمو، يقال: إن إبراهيم انطلق إلى منزله كالمستخفي من ضيفه، لئلا يظهروا على ما يريد أن يتخذ لهم من الطعام.
واختار الأجود، فقدّم إليهم الطعام الدسم وهو عجل سمين مشوي على الحجارة المحماة، وعرض عليهم الأكل بتلطف وعرض حسن دون أمر، فقال:
{أَلا تَأْكُلُونَ} ولم يقل: كلوا. وأظهر السرور بأكلهم، وكان غير مسرور بتركهم الطعام، كما يوجد من بعض البخلاء المتكلفين الذين يحضرون طعاما كثيرا، ثم يترقبون إمساك الضيف عن الأكل.
٦ - أحسّ إبراهيم منهم الخوف في نفسه، على عادة الناس أن من يمتنع من مؤاكلة المضيف يضمر شرا مبيتا، فطمأنوه وقالوا له: لا تخف، وأعلموه أنهم ملائكة الله ورسله، وبشروه بولد يولد له من زوجته سارّة.
٧ - لما سمعت زوجته بالبشارة، تعجبت وصاحت كما جرت عادة النساء، حيث يسمعن شيئا من أحوالهن، يصحن عند الاستحياء أو التعجب، وكان تعجبها لأمرين: كبر السن والعقم.
٨ - أجابها الملائكة بأن ما قالوه وأخبروا به هو قول الله وحكمه، فلا يصح أن تشك فيه، وكان بين البشارة والولادة سنة، وكانت سارّة لم تلد قبل ذلك، فولدت وهي بنت تسع وتسعين سنة، وإبراهيم يومئذ ابن مائة سنة، والله حكيم فيما يفعله، عليم بمصالح خلقه.
وأما القصة الثانية ففيها ما يأتي:
١ - أدرك أبو الأنبياء إبراهيم أن وراء وفد الملائكة الجماعي شيئا خطيرا،