أول ما خلق الله القلم والحوت، قال للقلم: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: كل شيء كائن إلى يوم القيامة» ثم قرأ {ن، وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ}.
ثم ذكر تتمة المقسم عليه، فقال تعالى:
{وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ} أي وإن لك لثوابا عظيما على ما تحملت من مهام النبوة، وقاسيت في إبلاغ الدعوة من أنواع الشدائد، وذلك الثواب غير مقطوع وإنما هو مستمر، أو لا يمنّ به عليك من جهة الناس.
{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} أي وإنك لصاحب الخلق العظيم الذي أمرك الله به في القرآن، لما تحملت من قومك ما لم يتحمله أمثالك، ففيك الأدب الجمّ والحياء والجود والشجاعة والحلم والصفح وغير ذلك من محاسن الأخلاق. وقد امتثلت تأديب الله تعالى إياك في قوله تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ، وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ}[الأعراف ١٩٩/ ٧].
روى أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن عائشة: أنها سئلت عن خلق النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقالت: كان خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القرآن. أو كان خلقه القرآن، أما تقرأ:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
يدل عليه
قوله صلّى الله عليه وسلّم:«إن الله بعثني لأتمم مكارم الأخلاق»(١) ومكارم الأخلاق: هي صلاح الدنيا والدين والمعاد.
وروي عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال فيما رواه ابن السمعاني في أدب الإملاء عن ابن مسعود:«أدّبني ربّي فأحسن تأديبي» إذ قال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ}[الأعراف ١٩٩/ ٧] فلما قبلت ذلك منه، قال:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
(١) هذه رواية، وفي رواية أحمد والبخاري في الآدب والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق».