للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ} أي وليس القرآن بقول كاهن (وهو من يدعي الغيب في المستقبل) كما تزعمون، فإن الكهانة أمر آخر لا جامع بينها وبين القرآن، ولان القرآن ورد بسبب الشياطين، فلا يعقل أن يكون بإلهامهم، ولكنكم تتذكرون تذكرا قليلا، ولذلك يلتبس الأمر عليكم، فلا تتذكرون كيفية نظم القرآن، واشتماله على شتم الشياطين، فقلتم: إنه كهانة. ثم صرح تعالى بالمقصود، فقال:

{تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} أي بل هو تنزيل من الله رب الإنس والجن، نزل به جبريل الأمين على قلب رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهو قول هذا الرسول بمعنى أنه مبلّغ له عن المرسل، وهو الذي أظهره للخلق، ودعا الناس إلى الإيمان به، وجعله حجة لنبوته.

روى الإمام أحمد عن شريح بن عبيد قال: قال عمر بن الخطاب:

«خرجت أتعرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن، قال:

فقلت: كاهن، قال: فقرأ: {وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ، وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ، لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ} إلى آخر السورة، قال: فوقع الإسلام في قلبي كل موقع، قال ابن كثير: فهذا من جملة الأسباب التي جعلها الله تعالى مؤثرة في هداية عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ثم أكد الله تعالى أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم لا يستطيع أن يفتعل القرآن، فقال:

{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ، لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} أي ولو افترى محمد أو جبريل شيئا من الأقوال الباطلة، وجاء به من عند نفسه ونسبه إلى الله على سبيل الفرض، لأخذناه بالقوة، وعاجلناه بالعقوبة، وانتقمنا منه، أو لأخذنا بيمينه، كما يؤخذ الشخص عند إرادة قتله. فاليمين: القوة، كما قال الشمّاخ:

<<  <  ج: ص:  >  >>