وتكرار لفظ الجلالة في الجمل الثلاث:{وَاتَّقُوا اللهَ، وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ، وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} لتربية المهابة في نفس السامع، ولتقرير استقلال كل منها بحكم معين.
ثم انتقل البيان إلى تشريع حكم يتناسب مع السفر، وهو الرهان التي يستوثق بها في الحصول على الدين، فإن إثبات المبايعات المؤجلة بالكتابة والإشهاد عليها أمر ممكن في الحضر، أما في السفر فالغالب عدم التمكن من ذلك، فشرع تعالى ما يناسبه وهو الرهن، ودلت السنة على جوازه في الحضر،
فقد أخرج النسائي عن ابن عباس، والشيخان عن عائشة:«أنه عليه الصلاة والسلام رهن درعه في المدينة من يهودي بعشرين صاعا من شعير أخذه لأهله».
ومعنى آية الرهان: إن كنتم مسافرين، ولم تجدوا كاتبا يحسن كتابة المداينة، أو لم تسمح ظروف السفر بالجلوس والكتابة، أو لم تجدوا أدوات الكتابة، فاستوثقوا برهن تقبضونه.
وتقييد الرهان في الآية بوصف السفر، وعدم وجود الكاتب: بيان للعذر الذي رخص في ترك الكتابة، ووضع الرهن وثيقة للدين محلها. وإنما نص على السفر دون الأعذار الأخرى؛ لأنه هو غالب الأعذار، لا سيما في وقت نزول القرآن، لكثرة المعارك والحروب. ويدخل في ذلك بالمعنى كل عذر، مثل ظرف الليل، وزحمة الأشغال والأعمال، وتهديد حالة الغريم (المدين) بالإفلاس.
وأشارت الآية إلى أن عدم وجود الكاتب مقيد بحال السفر، لا في حال الإقامة والحضر.
لكن وصف الرهان بكونها مقبوضة: يدل على أنه ما لم يقبض المرهون لا يظهر وجه للتوثق به. واشتراط القبض يستلزم عند الحنفية أن يكون المرهون معينا مفرزا، فلا يجوز لديهم رهن المشاع سواء فيما يقسم وفيما لا يقسم؛ لتعذر