للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القبض، وأجاز الجمهور رهن المشاع مثل بيعه وهبته، ويسلّم للمرتهن كل الشيء المشترك، ويتم التناوب عليه بطريق المهايأة.

ثم عادت الآية إلى تقرير احتمال وجود الثقة والائتمان بين المتعاملين، فصرحت بأنه إن أمن بعض الدائنين بعض المدنيين، لحسن ظنه به، وثقته بأنه لا يجحد الحق ولا ينكره، وهذا هو البيع بالأمانة، فليؤد المدين الذي اؤتمن أمانته أي دينه الذي ائتمنه الدائن عليه، فلم يأخذ منه رهنا، وليكن عند حسن ظن الدائن به، وليتق الله ربه في رعاية حقوق الأمانة، وعدم خيانتها ولا جحودها ولا التأخر في دفعها، فالله خير الشاهدين، وهو أولى أن يتّقى.

وسمي الدين أمانة لائتمان المدين عليه بترك الارتهان عليه.

وجمع في قوله: {وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ} بين الألوهية وصفة الربوبية للمبالغة في التحذير من الخيانة التي تغضب الإله المعبود بحق، وربه الذي يربيه ويلي شؤونه ويدبر مصالحه.

ثم أكد سبحانه النهي السابق عن الإباء عن أداء الشهادة وتحملها، فنهى عن كتمانها أي إخفائها بالامتناع عن أدائها، مجددا النهي فيما يليق ببيع الأمانة، مع ما فيها من زيادة تزعج الشاهد، وتهدده بعقوبة كتمان الشهادة واستحقاق الإثم، والآثم والفاسق متقاربان، فقال بالمعنى: لا تمتنعوا عن أداء الشهادة إذا احتيج إليها، ومن يكتمها أو يمتنع عنها كان مرتكبا للذنب، مجترحا للمعصية والإثم، وخص القلب بالذكر في تحمل الإثم؛ لأنه مركز الإحساس والشعور ووعي الوقائع وإدراكها، ولأنه أحد الأعضاء التي تقترف ذنبا، كما يسند الزنى إلى العين والأذن ونحوهما، فالإثم قد يكون بعمل القلب كما يكون بعمل بقية الأعضاء، كقوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ، كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً} [الإسراء ٣٦/ ١٧] ومن آثام القلب:

إضمار السوء وسوء النية والقصد، والحقد والحسد.

<<  <  ج: ص:  >  >>