وأجاز الشافعي السلم الحالّ، ولم يجزه باقي الأئمة، للحديث المتقدم:«إلى أجل معلوم».
٤ - ودل قوله:{فَاكْتُبُوهُ} أي الدّين والأجل على مشروعية الاحتجاج بالكتابة. ويقال: أمر بالكتابة، ولكن المراد الكتابة والإشهاد؛ لأن الكتابة بغير شهود لا تكون حجة.
وهل كتابة الكاتب فرض أو ندب؟ قيل: إنها فرض كفاية، وقيل:
فرض عين على الكاتب متى طلب منه، وكان في حال فراغه لقوله تعالى:
{وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ} وقوله: {وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ} وقيل: إنه ندب، والصحيح أنه أمر إرشاد، فيجوز له أن يتخلف عن الكتابة، حتى يأخذ أجره؛ إذ لو كانت الكتابة واجبة على الكاتب ما صح الاستئجار بها؛ لأن الإجارة على فعل الفروض باطلة.
٥ - هل الكتابة والإشهاد واجبان؟ ذهب جماعة إلى أن الكتابة والشهادة على الديون المؤجلة واجبان، بقوله تعالى:{فَاكْتُبُوهُ} وقوله:
{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} ثم نسخ الوجوب بقوله: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ}. واختار الطبري أن كتب الديون واجب على أربابها بهذه الآية، بيعا كان أو قرضا، لئلا يقع فيه نسيان أو جحود.
وقال الجمهور: الأمر بالكتابة والإشهاد للندب، وهما مندوبان، لحفظ ما يقع بين المتعاقدين إلى حلول الأجل؛ لأن النسيان يقع كثيرا في المدة التي بين العقد وحلول الأجل، وقد تطرأ عوارض من موت أو غيره، فشرع الله الكتابة والإشهاد لحفظ المال وضبط الواقع، ولم ينقل عن الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار أنهم كانوا يتشددون فيهما، بل كانت تقع المداينات والمبايعات بينهم من غير كتابة ولا إشهاد، ولم يقع نكير منهم، فدل ذلك على أن الأمر للندب.