القرآن، فلا يمنع مشروعيته والعمل به، بدليل جواز القضاء بالنكول عند الحنفية، وهو قسم ثالث لم يذكره القرآن.
٨ - ودل قوله تعالى:{وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا} على منع الإباء عن تحمل الشهادة وأدائها وإثباتها عند اللزوم أمام القاضي، وأن الشاهد هو الذي يمشي إلى الحاكم. وهذا في حال طلب الشهادة، فأما في غير حال طلبها من القاضي فأداؤها مندوب، فقد فرض الله الأداء عند الدعاء (الطلب)، فإذا لم يدع الشاهد، كان أداء الشهادة ندبا؛
لقوله عليه الصلاة والسلام:«خير الشهداء: الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها»(١).
ورأى المالكية في الصحيح أن أداء الشهادة فرض، وإن لم يسألها، إذا خاف على الحق ضياعه أو فوته، حتى لا يضيع الحق، سواء في حقوق الله تعالى، وحقوق الآدميين، لقوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ}[الطلاق ٢/ ٦٥] وقوله: {إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[الزخرف ٨٦/ ٤٣]
وفي الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«انصر أخاك ظالما أو مظلوما» فقد تعين عليه نصره إذا كان مظلوما بأداء الشهادة التي له عنده، إحياء لحقه الذي أماته الإنكار.
وذهب الحنفية إلى أن أداء الشهادة في حقوق الله تعالى قبل سؤالها مطلوب، أما في حقوق العباد فلا يشهد الشاهد قبل أن يستشهد،
لما أخرجه الصحيحان عن عمران بن حصين:«إن خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السّمن» وأوّله المالكية وحملوه على شاهد الزور فإنه يشهد بما لم يستشهد، أي بما لم يتحمّله ولا حمّله، أو على الذي يحمله الشّرة على تنفيذ ما يشهد به، فيبادر بالشهادة قبل أن يسألها، فهي شهادة مردودة، أو على الغلمان. واتفق الجميع على أن أداء الشهادة فرض كفاية،