فإذا أداها اثنان واجتزأ بهما الحاكم، سقط الفرض عن الباقين، وإن لم يجتزئ بهما تعينت الشهادة على الآخر.
٩ - الكتابة مندوبة في المبايعات والديون المؤجلة، سواء أكان المؤجل صغيرا أم كبيرا. ولا تطلب الكتابة في التجارة الحاضرة التي يتم فيها التبادل في الحال، ويحدث التقابض في البدلين عقب العقد، إذ يقلّ في العادة خوف التنازع إلا بأسباب غامضة. قال الشافعي: البيوع ثلاثة: بيع بكتاب وشهود، وبيع برهان، وبيع بأمانة، وقرأ هذه الآية. وكان ابن عمر إذا باع بنقد أشهد، وإذا باع بنسيئة كتب.
١٠ - ودل قوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ} على طلب الإشهاد على صغير ذلك وكبيره، وهل الإشهاد على البيع على الوجوب أو الندب؟ قال أبو موسى الأشعري وابن عمر والضحاك وجماعة من التابعين: هو على الوجوب، أخذا بظاهر الأمر في هذه الآية، ورجحه الطبري.
وذهب الشعبي والحسن البصري إلى أن ذلك على الندب والإرشاد، لا على الحتم والإيجاب. وهذا قول مالك والشافعي وأهل الرأي، وزعم ابن العربي أن هذا قول الكافّة، قال: وهو الصحيح، ولم يحك عن أحد ممن قال بالوجوب إلا الضحاك. روي عن ابن عباس أنه قال لما قيل له: إن آية الدّين منسوخة قال:
لا والله، إن آية الدّين محكمة ليس فيها نسخ، قال: والإشهاد إنما جعل للطمأنينة، وذلك أن الله تعالى جعل لتوثيق الدين طرقا، منها الكتاب، ومنها الرهن، ومنها الإشهاد.
ولا خلاف بين علماء الأمصار أن الرهن مشروع بطريق الندب، لا بطريق الوجوب، فيعلم من ذلك مثله في الإشهاد. وما زال الناس يتبايعون حضرا وسفرا، وبرا وبحرا، وسهلا وجبلا من غير إشهاد مع علم الناس بذلك من غير