للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمال، ووسع عليه الرزق، فيقول: ربي أكرمني وفضلني واصطفاني ورفعني وعافاني من العقوبة، معتقدا أن ذلك هو الكرامة، فرحا بما نال، وسرورا بما أعطي، غير شاكر الله على ذلك، ولا مدرك أن ذلك امتحان له من ربّه.

والمراد بالإنسان الجنس، وليس الكافر فقط‍، ويوجد هذا في كثير من أهل الإسلام (١).

والمقصود من الآية أن الله ينكر على الإنسان ويوبخه في اعتقاده أنه إذا وسع الله عليه في الرزق ليختبره فيه، كان ذلك إكراما من الله له، وليس كذلك، بل هو ابتلاء وامتحان، كما قال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ، نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ، بَلْ لا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون ٥٥/ ٢٣ - ٥٦].

ونظيره أيضا قوله تعالى في صفة الكفار: {يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا، وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ} [الروم ٧/ ٣٠]، وقوله أيضا: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ، فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ} [الحج ١٠/ ٢٢].

والخلاصة: أن الغنى والثروة أو الجاه والسلطة ليس دليلا على رضا الله عن العبد؛ لأن ذلك لا قيمة له عند الله تعالى.

ثم ذكر الجانب الآخر وهو أن الفقر والتقتير ليس دليلا على سخط‍ الله على العبد، فقال: {وَأَمّا إِذا مَا ابْتَلاهُ، فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ، فَيَقُولُ: رَبِّي أَهانَنِ} أي وأما إذا ما اختبره وامتحنه بالفقر والتقتير، وضيّق عليه رزقه ولم يوسعه له، فيقول: ربي أهانني وأذلني. وهذا خطأ أيضا فلا يصح أن يعتقد أن ذلك إهانة له وإذلال لنفسه.


(١) البحر المحيط‍: ٤٧٠/ ٨

<<  <  ج: ص:  >  >>