للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالإنسان مخطئ في الحالين؛ لأن سعة الرزق لا تدل على أحقية العبد لها، بدليل ما نشاهده من غنى الكفار وثروة الفساق والعصاة.

وضيق الرزق ليس دليلا على عدم الاستحقاق، بدليل ما نراه من فقر بعض الأنبياء وأكابر المؤمنين والصلحاء والعلماء.

والكرامة عند الله للطائع الموفق لعمل الآخرة، والإهانة والخذلان عند الله للعاصي غير الموفق للطاعة وعمل أهل الجنة، وليست سعة الدنيا كرامة ورفعة، ولا ضيقها إهانة ومذلة، وإنما الغنى اختبار للغني هل يشكر، والفقر اختبار له هل يصبر (١).

ونظرا للخطأ في الحالين ردع الله الإنسان بقوله:

{كَلاّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ، وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ} أي ردع وزجر للإنسان القائل في الحالتين السابقتين ما قال، فليس الأمر كما زعم، فإن الله تعالى يعطي المال من يحب ومن لا يحب، ويضيق على من يحب ومن لا يحب، وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين، فإذا كان غنيا، شكر الله على نعمته، وإذا كان فقيرا صبر.

وبعد أن ذمّهم على قبح الأقوال، ذمّهم على قبح الأفعال الذي هو شرّ من سابقه، وهو أنه يكرمهم بكثرة المال، ثم لا يؤدون حق الله فيه، فأنتم أيها الأغنياء الموسرون لا تكرمون اليتيم ولا تحسنون إليه، ولا تحضون أنفسكم أو غيركم على إطعام المساكين، ولا يحث بعضكم بعضا على صلة الفقراء، ولا تأمرون بعضكم بعضا بالإحسان إلى المحتاجين.

وفي قوله: {بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} أمر بإكرام الأيتام، كما

جاء في


(١) فتح القدير للشوكاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>