عائشة، روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لابن أختها عروة بن الزّبير، وهو يسألها عن قول الله تعالى:{حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} الآية:
«معاذ الله لم تكن الرّسل تظنّ ذلك بربّها، هم أتباع الرّسل الذين آمنوا بربّهم وصدّقوهم، فطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النّصر، حتى إذا استيأس الرّسل ممن كذّبهم من قومهم، وظنّت الرّسل أنّ أتباعهم قد كذّبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك». وأنكرت عائشة المعنى على قراءة التّخفيف. وقال الرّازي عن تأويل عائشة: وهو أحسن الوجوه المذكورة في الآية.
ونقل تفسير الآية على قراءة التّخفيف {كُذِبُوا} عن ابن عباس وابن مسعود، قال ابن عباس:«لما أيست الرّسل أن يستجيب لهم قومهم، وظنّ قومهم أن الرّسل قد كذبوهم، جاءهم النّصر على ذلك»، وقال ابن مسعود في آية:{حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ}: من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم، وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كذبوا، بالتخفيف. وهذا هو المشهور عن الجمهور (١).
والخلاصة: على قراءة التّخفيف، الضمير في {وَظَنُّوا} عائد على المرسل إليهم، لتقدّمهم في الذّكر في قوله تعالى:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} فيكون الضّمير عائدا إلى الذين من قبلهم من مكذّبي الرّسل، والظّن هاهنا بمعنى التّوهم والحسبان. والمعنى: وظنّ المرسل إليهم أنهم قد كذبهم الرّسل فيما ادّعوه من النّبوة وفيما يوعدون به من لم يؤمن بهم من العذاب، وهذا مشهور قول ابن عباس وتأويل عبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير ومجاهد. ولا يجوز أن تكون الضّمائر في هذه القراءة على الرّسل؛ لأنهم
(١) تفسير ابن كثير: ٤٩٧/ ٢ - ٤٩٨، تفسير القرطبي: ٢٧٥/ ٩