فإن الباطل لا ثبات له مع الحق ولا بقاء، كما قال تعالى:{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ، فَيَدْمَغُهُ، فَإِذا هُوَ زاهِقٌ}[الأنبياء ١٨/ ٢١].
{إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً} أي إن الباطل كان مضمحلا لا قرار له، غير ثابت في كل وقت.
وقد تلا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هذه الآية حين كسر الأصنام، وهو يفتح مكة.
روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود، قال: دخل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مكة، وحول البيت ستون وثلاث مائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده، ويقول:{جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ، إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً}، {جاءَ الْحَقُّ، وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ}[سبأ ٤٩/ ٣٤].
وقال الحافظ أبو يعلى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مكة، وحول البيت ثلاث مائة وستون صنما تعبد من دون الله، فأمر بها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فأكبّت على وجوهها، وقال:
ثم أخبر الله عن كتابه الذي أنزله على رسوله محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه شفاء ورحمة، فقال:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي وننزل عليك أيها النبي قرآنا فيه شفاء، فكل شيء نزل من القرآن فهو شفاء للمؤمنين، يزدادون به إيمانا، ويستصلحون به دينهم، فهو يذهب ما في القلوب من أمراض الشك والنفاق، والشرك والزيغ والإلحاد، والجهل والضلالة، فالقرآن يشفي من ذلك كله؛ وهو أيضا رحمة لمن آمن به وصدقه واتبعه؛ لأنه يرشد إلى الإيمان والحكمة والخير، فيؤدي إلى دخول الجنة والنجاة من العذاب،
وعن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فيما رواه الديلمي في الفردوس:«من لم يستشف بالقرآن، فلا شفاه الله».
{وَلا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إِلاّ خَساراً} أي لا يزيد سماع القرآن الكافر الظالم نفسه إلا بعدا عن الإيمان وكفرا بالله؛ لتأصل الكفر في نفسه.