والاستعلاء على الناس وحسدهم على ما يتمتعون به من تماسك واستقرار ومحبة ووئام، فيعمل الحاقد الكاره الحاسد كابن أبي على تقويض أركان هذا المجتمع، والغض من كرامته، والنيل من عرضه وسمعته، ظنا منه أن هذا شرف له.
٨ - {وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ، وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ} أي لولا الفضل الإلهي والرحمة لكان أمر آخر، والجواب المحذوف هو: لهلكتم أو لعذبكم الله واستأصلكم، ولكنه تعالى رؤف بعباده، رحيم بهم، فتاب على التائبين من هذه القضية، وأرشد إلى ما فيه الخير، وهدى إلى الطريق الأقوم، وحذّر من مغبّة الاستمرار في وجهة الانحراف، وبيّن خطر هذا الفعل الشنيع وهو الطعن بعرض بيت النبوة، فله الحمد والمنة، لذا حذر في الآية التالية من اتباع وساوس الشيطان فقال:
٩ - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ، وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ، فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ} أي يا أيها المؤمنون المصدّقون بالله ورسوله لا تسيروا في طرائق الشيطان ومسالكه، ولا تسمعوا لوساوسه وتأثيراته وما يأمر به، في الإصغاء إلى الإفك والتلقي له، وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، فإن من يتبع وساوس الشيطان ويقتفي آثاره خاب وخسر؛ لأنه-أي الشيطان-لا يأمر إلا بالفحشاء (ما أفرط قبحه) والمنكر (ما أنكره الشرع وحرمه وقبّحه العقل ونفّر منه) فلا يصح لمؤمن طاعته، وهذا تنفير وتحذير صريح.
والله تعالى، وإن خص المؤمنين في هذه الآية بالنهي عن اتباع وساوس الشيطان، فهو نهي لكل المكلفين، بدليل قوله تعالى:{وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ، فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ} فكل المكلفين ممنوعون من ذلك.
وحكمة تخصيص المؤمنين بالذكر هي أن يتشددوا في ترك المعصية، لئلا يتشبهوا بحال أهل الإفك.