إذاً هذه الأحاديث الدالة على فضل حلق الذكر عموماً، وحلق العلم تدخل في حلق الذكر، وينبغي أن يوسع موضوع حلق الذكر حتى لا يُظن أنها فقه وحديث وتفسير ونحو ذلك، فيدخل فيها الطلب من الله عز وجل والدعاء، وكذلك ذكر نعمة الله، إذا جلسوا يذكرون نعمة الله عليهم، فهي من حلق الذكر التي فيها هذا الأجر العظيم (وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ حضر حلقة علمٍ رأى فرجة جلس فيها أن الله آواه، وثانٍ جلس خلفهم واستحيا أن الله قد استحيا منه) وهذا يدل على فضل من حضر حلق الذكر.
والصحابة جلسوا يذكرون الله ويحمدونه على ما هداهم للإسلام ومنَّ به عليهم، فإذاً تذكر الأشياء وتذكر نعمة الله تعالى، وتحديث البعض للبعض الآخر بنعمة الهداية مثلاً، يعتبر من مجالس الذكر، ولو لم يقرءوا فيه إسناداً ولا متناً، فلا يقتصر مفهومنا لحلق الذكر على قراءة المتون فقط، فالمسألة أعظم من ذلك.
لو جلس جماعة يتواصون بالصبر، يتكلمون في مسألة الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسبل إعزاز الدين، ويناقشون كيفيات إعزاز الدين , والسبل الموصلة إلى تبليغ الدعوة، وكيف يحققون ذلك، لكان هذا من حلق الذكر.
ولو جلس جماعة حتى لو لم يكونوا من أهل العلم ولا من حفاظ العلم، جلسوا يذكرون نعم الله عليهم، وهذا قد يتكلم فيه بعض العامة كلاماً جميلاً، يذكر نعم الله عليه، ويقارن حال المهتدين بحال الزائغين، ويبين فضل الله عز وجل على المهتدين، فهذه حلقة ذكر فيها أجرٌ عظيم.
إذاً نحن نستطيع أن نحول كثيراً من مجالسنا، سواء كانت مجالس عائلية، مجالس كلام في العمل أحياناً، مجالس مع الأصدقاء ما قبل العشاء، ما بعد الغداء، في وليمة؛ يمكن أن نحولها إلى حلقة ذكر ونخرج منها بأجرٌ عظيم، فذكر الله كلمة عامة يدخل فيها مسائل العلم والحديث والتفسير والفقه والعقيدة، ويدخل فيها كل شيءٍ فيه ذكر فضل الله، ونعم الله، وهداية الله تعالى، وكذلك الدعوة إلى الله مثلاً.
إذاً مجالس العلم مفهومها كبير وواسع، وينبغي أن يحقق، وإن كانت الكتب التي تتحدث عن حلق العلم تقتصر على ما يفهم منه قضية المتون والأحاديث، والإملاء والأسانيد، وغير ذلك، لكن المسألة أوسع من هذا بكثير، والصحابة كان حالهم أن يذكرون منة الله تعالى عليهم.