وأعود وأقول أيها الإخوة! لا يصح أن نحتقر أنفسنا أو مجهوداتنا، ويجب أن نقدم، وهذه قصة شاب أبكم لا يتكلم، قصة لا شك أن فيها عبرة، كان يذهب إلى أماكن الورش، الأماكن التي فيها الصناع والعمال من هؤلاء المسلمين الذين كثير منهم لا يعلمون أشياء كثيرة عن الدين، فيعطيهم ما تيسر من الأشياء المقروءة والمسموعة التي فيها مواعظ والتي فيها تذكير وتعليم، وفي يوم من الأيام ذهب إلى ذلك المكان؛ ليقدم ما عنده فخرج إليه عامل ذو لحية واعتنقه وقبله وقال: ألا تعرفني ألا تذكرني أنت مررت بي ذات يوم وأعطيتني شريطاً قبل فترة طويلة، وكان سبب هدايتي، وهذا شاب أبكم كلامه عسير لا يتكلم، لكن شعوره بواجب التبليغ وواجب الدعوة دفعه إلى أن يقدم شيئاً.
نعود للمسألة ونقول: ماذا قدمنا للإسلام؟ هل قيامنا بهذه الفروض الكفائية موجود؟ وقد رغب في عرض بعض الأصول الشرعية للمسألة حتى لا يظن بعض الناس أن المسألة كلام، أو أن المسألة مجرد عرض للمجالات ليس لها مستند على أصل شرعي نقول: إنها مستندة على أصول شرعية موجودة في كتب العلماء، هناك وظائف إسلامية وشرعية يجب أن نعد أنفسنا للقيام بها، وتغطية هذه الثغرات الموجودة في المدن والقرى والأحياء والمساجد وأماكن الناس، وأن نعلمهم دين الله سبحانه وتعالى، نحن رسل خير وهداية، ونقفو آثار الأنبياء وهكذا ينبغي أن نكون.
أما أن تذهب أوقات الشباب سدى وتذهب في مجالس الغيبة والنميمة، والشجار والعراك، والجدل العقيم والتقوقع بدون فائدة، تكديس طاقات بدون أن تنطلق في خدمة هذا الدين، وكذلك فإننا نذكر أنفسنا بقضية المسئولية في العمل، نذكر أنفسنا أن هناك واجبات كفائية لا بد من القيام بها، ونذكر أنفسنا أن الدعوة إلى الله أياً كان مجالها وأياً كانت الوسيلة التي تسلك فيها، هي مسئولية سنسأل عنها، كما قال تعالى:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ}[الزخرف:٤٤] سنسأل عن هذا، صحيح أن هذا شرف، الانتساب إلى الإسلام شرف عظيم، كثيرون يعبدون البقر وآخرون يعبدون الجواميس ويعبدون تمثال بوذا، ويعبدون الشيطان وبعضهم يعبدون المال، ويعبدون أهوائهم وشهواتهم، فضلك الله عليهم بأن جعلك مسلماً توحد الله عز وجل، لكن هذا الشرف له تكليف، لا بد للتشريف من تكليف، إذا شرفك الله بأن كنت من أهل الدين فماذا قدمت لرفع شأن الدين إذاً؟! فانقسم الكلام في موضوعنا السابق عن واجبات كفائية يجب السعي لسدها والإعداد، لأن السبق قد لا يكون حاصلاً الآن، لكن الإعداد لسد الثغرات.
وكذلك تنبيه على بعض الوسائل التي تستخدم في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى التي تعين على سد بعض الثغرات، لكن القضية الأساسية قضية تحقيق فروض الكفاية، على أن لا يعيب المسلمون على بعضهم، ولا يحتقر بعضهم بعضاً في المجهودات التي يقدمونها، طلبة العلم لا يحتقرون الذين يقومون مثلاً بدعوة العامة ووعظهم، مع أن الذي يقدم المواعظ ما عنده علم، لكن يستطيع بهذا التقديم بفضل الله عز وجل أن ينقل أناساً من معسكر أهل الشر والضلال إلى طريق الهداية، ولا يعيب طلبة العلم ولا الوعاظ مثلاً على من يشتغل في خدمة قضايا المسلمين، وقضايا الجهاد وقضايا الإغاثة مثلاً.
الثغرات كثيرة جداً، ونحن نحتاج إلى عمل متكامل، المسلمون يكمل بعضهم بعضاً، ولا يعيب بعضهم على بعض، هناك حد أدنى من العبادة يجب أن يكون موجوداً، هناك حد أدنى من العلم، ما يصلح إغاثي ولا مجاهد أن يعمل لهذا الدين وهو ما عنده الأساسيات التي يعبد الله سبحانه وتعالى بها، يصلي ويصوم ويحج وينكح ويبيع خطأ لا يجوز له ذلك حتى لو كان مشتغلاً بعمل آخر غير قضية العكوف على طلب العلم.
فإذاً: أهل الحسبة والجهاد والعلم والوعظ والإغاثة، هذه الفروض الكفائية يجب أن تسد وأن يقوم لكل ثغر منها من يطيق القيام به، ويكون صاحب خبرة فيه ويستطيع أن يقدم فيه، ولا يعيب بعضهم على بعض، فبهذه الطريقة تجتمع الجهود، والقضية في النهاية نصرة الإسلام والعمل لدين الله سبحانه وتعالى.