الذين يعملون بتحديد النسل ويقولون: نحن لا نريد إنجاب أطفال، ويكفي اثنان أو ثلاثة هؤلاء يفوتهم أجر كبير، لماذا؟ لأن الإنسان لو كان عنده سبعة أولاد أخيار، أو بعضهم، فإنه يؤجر على هؤلاء؛ لأن كل واحد من الأولاد سيصلي ويحج ويصوم ويدعو ويطلب العلم، ويذكر الله، والأب له مثل أجورهم إذا كان هو الدال على الخير وربَّى أولاده على هذا، وبعض الآباء يتركون أولادهم في الشوارع ثم يأتي الدعاة إلى الله فيلتقطونهم من الشوارع ليدخلوهم في معترك الحياة الإسلامية الصحيحة، ثم بعد ذلك نقول: الأب يؤجر لأن ولده أصبح مستقيماً، وهو لم يتعب في تربيته ولم يُجهد نفسه في أن يصبح ابنه كذلك، وهذا أجره ليس لأبيه، وإنما للداعية الذي اهتدى على يديه.
عندما يربي الأب ابنه تربية إسلامية؛ مثلاً: لو عندك سبعة أولاد تربوا تربية إسلامية على يديك فلو متّ فإن كل عمل صالح يعملوه فإن لك مثل أجره، من غير أن ينقص من أجورهم شيء.
عرفنا الآن نعمة أو أهمية أن يكون للإنسان أولاد، وعملية الإنجاب لها فوائد مثل تكثير نسل المسلمين، وغيرها من الفوائد الكثيرة التي تنشأ من الإنجاب، وهؤلاء الغافلون المتأثرون بدعوات تحديد النسل، يعملون عملهم في أوساط المسلمين، من يصنف كتاباً -إن كان من أهل العلم- فإن تصنيفه هو ولده المخلد، أما من ينجب ولداً يعيش مثلاً ستين سنة ومات، كان هذا العمل الصالح في هذه الستين سنة فقط، ويكون الأب له نصيب منه بحسب جهده، لكن العالم عندما يصنف كتاباً فإنه يستفاد من الكتاب مئات السنين، فإن تصنيف العالم ولده المخلد، ونحن الآن عيال -مثلاً- على كتاب فتح الباري، عيال على كتب علماء السلف، عيال على صحيح البخاري عيال على صحيح مسلم، وعلى مسند أحمد، وعلى كتب أهل الحديث، وعيال على مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه، فكل حرفٍ نقرأه في هذه الكتب ونستفيد منه ونحضر فيه موضوعاً ونلقيه إلى الناس فيعود الفضل لأولئك العلماء.
فإن تصنيف العالم هو ولده المخلد، فمن نقل إلينا سيرة الإمام أحمد فتأثر الناس بها، والإمام أحمد يصله الأجر في قبره بسبب تأثر الناس بسيرته، لو شخصاً -مثلاً- تعرض لاضطهاد فقرأ فتنة الإمام أحمد وثبت، فإن للإمام أحمد أجر ثبات هذا الرجل، لأن عمل الإمام أحمد قد مات قومٌ وهم في الناس أحياءُ
في الجانب المقابل هناك أشخاص هامشيون، بعض الناس وجوده مثل عدمه، بل إن وجوده ضار، أليس ذلك صحيحاً؟ وهناك أناس لو ماتوا لكان أفضل، وهناك أناس لو ماتوا لما حصل أي نوع من التغيير أو النقصان، لا في بيته، ولا في مدرسته، ولا في عمله، ولا في مجتمعه، لكن هناك أناس لو مات أحدهم تأثر البيت من موته؛ لأنه كان يملأ فراغاً عظيماً في ذلك البيت، وكذلك لو مات مدير لتأثرت الدائرة كلها، بسبب موت ذلك المدير الصالح في دائرته التي يعمل فيها، وهناك مدرس لو مات لحزن الطلاب عليه، وأصبح هناك نقص في المدرسة بموت هذا المدرس:
قد مات قومٌ وهم في الناس أحياءُ
الإسلام يريد من المسلمين أن يكونوا طاقات فعالة، لها أثر في الواقع، أنت إذا لم يكن لك أثر في الواقع، فمعناه أن عندك خطأ كبيراً في منهجك، ويجب أن تراجع نفسك: لماذا ليس لك أثر في الواقع؟