للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فوائد من قصة أبي هريرة وإناء اللبن]

هذا الحديث فيه فوائد كثيرة، منها: أولاً: استحباب الشرب جالساً، وهذا مذهب جمهور العلماء، وقال بعضهم بتحريم الشرب واقفاً ووجوب الجلوس، لكن مذهب جمهور العلماء هو استحباب الشرب جالساً وعدم الشرب واقفاً، اللهم إلا إن كان لحاجة، مثل: أن تكون القربة معلقة، أو مثل بعض برادات الماء -الآن- في بعض ممرات المستشفيات والمباني، يكون براد الماء مرتفعاً لا يمكن أن تشرب منه إلا وأنت واقف، فهذه حالة يمكن أن يشرب الإنسان وهو واقف، أو مثلاً في زمزم مع الزحام لا يمكن القعود وسط الزحام، فالنبي عليه الصلاة والسلام شرب واقفاً، لكن الأصل أن يشرب الإنسان جالساً، والمسألة عليها تأكيد شديد في الأحاديث النبوية في قضية الشرب جالساً.

ثانياً: أن خادم القوم إذا دار عليهم بما يشربون يتناول الإناء من كل رجل ويدفعه إلى الذي يليه، ولا يدع الرجل يناول رفيقه لئلا يكون فيه استخدام للضيف وهذا من باب زيادة الإكرام.

ثالثاً: في هذا الحديث معجزة واضحة للنبي عليه الصلاة والسلام في تكثير الطعام والشراب ببركته عليه الصلاة والسلام، وهذه لها أمثلة كثيرة.

رابعاً: في هذا الحديث جواز الشبع، أي: الأصل أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (فإن كان لا بد، فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث لنفَسك) فهنا في الحديث: تركه يشرب وأمره أن يشرب حتى قال: (لا أجد له مسلكاً) فالعلماء حملوه على ما إذا كان الإناء بعد مسغبة شديدة -جوع شديد- فيمكن في بعض الأحوال أن يشبع الإنسان، لكنه دائماً يأكل حتى الشبع فهذا مذموم؛ ويؤدي إلى الكسل عن العبادة والنوم ونحو ذلك، ويكون فيه سبب للأمراض، فإذا كان بعد شدة جوع أو أنه يستبعد حصول شيء قريب فيشبع، ويتزود.

خامساً: في هذا الحديث فائدة لطيفة في الخلق الكريم، وهي: أن كتمان الحاجة أولى من التصريح بها، وإذا اضطر فيلمح، لكن لا يصرح ويمد يده: أعطوني هاتوا، وإنما يلمح إذا اشتدت عليه الوطأة.

وفيه حسن خلق النبي عليه الصلاة والسلام كيف قدَّم كل أصحاب الصفة وقدم أبا هريرة على نفسه وشرب آخرهم، مع أنه عليه الصلاة والسلام هو -أيضاً- جائع.

سادساً: فيه طاعة النبي عليه الصلاة والسلام وتقديم أمره على حظ النفس مع شدة الحاجة.

وفيه فضل أهل الصفة هؤلاء الذين جاءوا لنصرة الله ورسوله، وتركوا أهلهم وديارهم.

سابعاً: فيه أنه لا بد من الاستئذان قبل الدخول.

ثامناً: فيه جواز دعاء الإنسان خادمه بالكنية، لما قال: (يا أبا هريرة أو يا أبا هر) وهذا يؤخذ منه ترخيم الاسم، وفيه كذلك تفطن الإنسان لحاجة من حوله، النظر في الوجه (الفراسة) (فعرف ما في وجهي، وما في نفسي) فهذه فراسة، وأن الإنسان عليه أن يدقق النظر في أحوال من حوله ليعرف ماذا يخبئون أو ماذا تنطوي عليه نفوسهم أو ما هي حاجتهم.

تاسعاً: فيه كذلك أن الإنسان إذا رأى في منزله ما لا عهد له به فإنه يسأل عنه من أين؟ وممن هو؟ عاشراً: فيه قبول الهدية ولا ترد مادامت حلالاً، وإيثار الفقراء بنصيب منها.

حادي عشر: أن ساقي القوم آخرهم شرباً.

ثاني عشر: حمد الله على النعم، إذا حدثت لك نعمة، تقول: الحمد لله، لما رأى البركة، قال: الحمد لله، والتسمية عند الشرب.