للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حسن الظن بالله]

{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج:١٥] الذي يقول: إن الله لا ينصر المسلمين؛ يأخذ حبلاً يعلقه في السقف -في سماء الغرفة- ويربطه حول عنقه ويشنق نفسه.

إذاً فالله ينصر المؤمنين، وقد توعد بنصرهم، وأخبر أن نصره قريب، وأن نصره ينزل عليهم، إذا رجعوا إليه سبحانه.

لماذا كان التفاؤل من السنة؟! لماذا كان عليه الصلاة والسلام يتفاءل بالاسم الحسن؟! إن التفاؤل يشحذ الهمم للعمل، ويغذي القلب بالطمأنينة والأمل، ولا شك أن هذا من أهم عوامل النجاح, لما يقبل الإنسان على القيام بعمل ما وهو متفائل، النتيجة تختلف تماماً عما إذا قام يعمل وهو متشائم.

ووسط هذا الظلام الدامس الذي يعيش فيه المسلمون اليوم يلتفتون يمنة ويسرة، وتثور في النفوس تساؤلات كثيرة: أما آن لهذا الليل أن ينجلي، ولهذه الغمامة أن تنقشع؟ متى يأتي نصر الله؟ {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:٢١٤].

وإذا تأملت ما يكون من أنواع النصر من الله لوجدت شيئاً عجيباً! فقد نصر رسله: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:١٠] فنصره الله، وهكذا انتقم من المكذبين ولو بعد حين.

الله عز وجل قد يمكن للكفار مدة من الزمن، لكن بعد ذلك لا بد أن ينكسروا.

والذين حاولوا قتل عيسى وصلبه انتقم الله منهم بتسليط الروم عليهم فساموهم أشد العذاب.

عندما ترى صور انتصار الموحدين انتصار المبدأ انتصار المنهج كما في قصة الغلام مع الملك في أصحاب الأخدود، كان ثبات المؤمنين إلى النهاية هو نصر بحد ذاته.

إبراهيم يقذف في النار وهو يقول: حسبي الله ونعم الوكيل.

هذا قمة الانتصار.

بلال عندما كان تحت الصخرة يقول: [أحدٌ أحدْ] ولا يتراجع.

هذا انتصار.

آل ياسر عندما يصبرون على الرمضاء.

انتصار.

الإمام أحمد عندما يصبر على القول: بأن القرآن كلام الله.

ولا يجيب إلى القول بخلقه، مع كون الحديد في رجليه، والضرب الشديد الذي يقول فيه السلطان للجندي: اضرب، شدّ يدك قطع الله يدك.

ومع ذلك يصبر، هذا انتصار؛ لأن الحق عند الناس في المجتمع ظاهر لم ينهزم، لم يرضخ فلان، لم يسكت فلان، لم يتراجع فلان عن مبدئه، هذا انتصار، انتصار الحجة مهم جداً: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام:٨٣].

لما قال إبراهيم للنمرود: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة:٢٥٨] هذا انتصار، ولو كان النمرود عنده الجنود والسلاح والسلطان والهيلمان.

هذا انتصار.

لا بد أن نعرف معنى الانتصار الشرعي، وليس فقط أنه انتصار السلاح.