كذلك من الأمور المهمة في طلب العلم: الإقبال على العلم بالتفكير الطبيعي والعقل السوي، فالفهم العادي السوي مهم جداً، والتفكير الفطري الخالص عن التعقيدات والشذوذات والأغلوطات والشبهات اترك المداخلات جانباً، أقبل على العلم بنفسية طبيعية، وتفكير عادي، واترك قضية الشبهات، لا تثير على الشيخ وأنت في البداية الشبهات، تقول: وإن كان كذا، وإن كان كذا، حسناً يمكن المقصود كذا، دع التعقيدات، والأغلوطات جانباً، ودع الشذوذات؛ لأن بعض الناس من كثرة مقاطعاتهم عقولهم قد لا تستقيم وتفهم العلم بشكل طبيعي، وإنما يحاولون الإتيان بالغرائب والعجائب، وأن يأخذ المسألة من بابٍ غير اعتيادي، والنتيجة تتعقد عليه الأمور ولا يفهم، اترك الجدال في البداية، وفرِّغ بالك للتعلم بالطريقة الطبيعية، وهذه مسألة في غاية الأهمية.
أما بالنسبة لقضية المطولات، وجرد المطولات، وقراءة المطولات، مثلاً: جامع الأصول، والبداية والنهاية، ودرء تعارض العقل والنقل، وتاريخ بغداد، وما شابه ذلك من الكتب الطويلة، فهذه ليس موقعها في البداية، ولا في الوسط، وإنما تكون في مراحل متأخرة، وقد يفعل هذا من يريد جمع فوائد، أو تحضير محاضرة أو درس، لكن ليس لمن يريد أن يؤصل نفسه تأصيلاً علمياً قوياً، وهذا يشغل عن التأسيس أن تقول: يكفي أن أقرأ البداية والنهاية، وأقرأ جامع الأصول وأقرأ وأنت لم تبدأ بعد بـ الأربعين النووية في شيء مبسَّط، ولا في كتاب في الفقه مبسّط، أو في كتاب في السيرة مبسّط، تريد أن تقرأ هذه المطولات من البداية؟! كلا! هذه ليس محلها البداية.
وهناك نظرية بدأت تنتشر عند بعضهم وهي مُوْضَة هذه الأيام، بعض الذين يريدون طلب العلم اعتقاداً أنهم إذا قرءوا المطولات على بعض المشايخ فإنهم يكونون قد حصلوا العلم، فيقولون: يا شيخ، نريد أن نقرأ عليك زاد المعاد من أوله إلى آخره، نتفرغ أسبوعين ثلاثة شهر، ننهي عليك زاد المعاد والبداية والنهاية، وجامع الأصول وننهي عليك، هذه العملية بهذه الطريقة ليست طلب علم بطريقة منهجية صحيحة، لا يتسنى للشيخ أن يعلِّق، ولا ليشرح، وقُصارى ما يحدث أن يقول هذا الطالب: ختمت الكتاب على الشيخ الفلاني، ليس المقصود أن تختم خمسة مجلدات أو عشرة، المقصود أن تدخل من باب التأسيس، ولذلك كان العلماء يجعلون لهم كتباً مثل: درء تعارض العقل والنقل واقتضاء الصراط المستقيم، وزاد المعاد ونحو ذلك في أوقات ليست أوقات طلب أساسية، مثلاً: بعد الظهر أحياناً، وكذلك كثير من الكتب لم تكن توضع في الفترات الأساسية للطلبة، إذا كانت عندك الأشياء الأساسية في الأوقات المحددة فلا مانع أن تأخذ مثل كتاب غذاء الألباب أو الآداب الشرعية، أو إغاثة اللهفان، في غير أوقات الطلب الأساسية.
وكذلك بعضهم يفكر في قراءة كتب السنن، من أول ما يطلب يقول: نريد أن نقرأها ونأتي عليها وعلى مجملها، فنقول: تمهل رويدك، فليست القضية الآن جرد السنن والنصوص، وإنما المسالة مسألة تجرد.