[دروس وعبر من يوم عاشوراء]
أيها المسلمون! يوم عاشوراء يذكرنا بالتوبة إلى الله عز وجل، هذا يومٌ من أيام الله نجى الله فيه موسى وصامه النبي صلى الله عليه وسلم، فهو موسم عبادة، قال بعض السلف: آدم أخرج من الجنة بذنبٍ واحد وأنتم تعملون الذنوب وتكثرون منها وتريدون أن تدخلوا بها الجنة.
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي درج الجنان بها وفوز العابدِ
ونسيت أن الله أخرج آدماً منها إلى الدنيا بذنبٍ واحدِ
العجب ممن عرف ربه ثم عصاه، وعرف الشيطان ثم أطاعه: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف:٥٠] نريد أن يكون هذا اليوم موسم انطلاقة في العبادة والطاعة والتوبة والاعتراف بالذنب؛ ربنا إنا ظلمنا أنفسنا فاغفر لنا وارحمنا، نريد أن يكون هذا اليوم تجديداً للعهد مع الله تعالى، وتجديد عقد التوبة مع الله -عز وجل- أيها المسلمون، لا نريد أن يكون منعطفاً أو انتكاسات.
تقول إحدى النساء: تزوجته وهو ملتزمٌ بالدين، في أول سنة صار يدخن، وفي السنة الثانية عكف على أهل السوء والفسق، وفي السنة الثالثة صار يشرب الخمر، وبعد ذلك ترك الصلاة بالكلية، إذا سافر لأهله أو جاءه ضيف قام يصلي مجاملة، فإذا ذهبوا ترك الصلاة.
وتقول الأم المسكينة: صبرت عليه وتعبت عليه، وعالجته وأدخلته المستشفى من المخدرات، ثم يخرج فيرجع إلى رفقاء السوء، ويقول: تبت وتبت وأقلعت كيف أصدقه؟! كيف يتوب وأنا أرى بين أغراضه إبر المخدرات وعليها أثر الدم، نريد أن يكون هذا اليوم توبة إلى الله، نريد أن نجعل هذا اليوم عودة إلى الله، نريد أن نجعله ذكراً لله تعالى.
وصلت إليكم معشر الأمة رسالة من أبيكم إبراهيم بعد وفاته، مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال عليه الصلاة والسلام: (رأيت يوم أسري بي إبراهيم فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة عذبة الماء، طيبة التربة، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) وقال عليه الصلاة والسلام: (من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة) قال الحسن رحمه الله: [الملائكة يعملون لبني آدم في الجنان، يغرسون ويجنون، من قال سبحان الله غرسوا له نخلة، ومن بنى بيتاً بنى الله له بيتاً في الجنة، وربما أمسكوا وتوقفوا عن الغرس والبناء فيقال: لهم ما لكم توقفتم؟ فيقولون: حتى تأتينا النفقة، فهل نبني بغير نفقة ونغرس بغير نفقة، قال: فابعثوهم بأبي أنتم وأمي على العملبذكر الله تعالى، أرض الجنة اليوم قيعان والأعمال الصالحة لها عمران، بها تبنى القصور وتغرس أرض الجنان، فإذا تكامل الغراس والبنيان انتقل إليه السكان].
رأى بعض الصالحين في منامه قائلاً يقول له: قد أمرنا بالفراغ من بناء دارك، واسمها دار السرور فأبشر، وقد أمرنا بتنجيدها وتزيينها والفراغ منها إلى سبعة أيام، فلما كان بعد سبعة أيامٍ مات، فرئي في المنام فقال: أدخلت دار السرور وأنا في سرور، فلا تسأل عما فيها لم ير مثل الكريم إذا حل به المطيع.
ورأى بعضهم كأنه أدخل الجنة، وعرض عليه منازله وأجواده، فلما أراد أن يخرج تعلق به أزواجه، وقالوا له: بالله حسن عملك، فكلما حسنت عملك ازددنا نحن حسنا.
العاملون اليوم يسلفون رءوس أموال الأعمال فيما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، إلى أجل يومٍ مزيد في سوق الجنة، فعجلوا رحمكم الله بالأعمال، وقدموها أمامكم، وانتقلوا بخير ما بحضرتكم.
اللهم تب علينا، واغفر ذنبنا، واقضِ ديننا، واشفِ مريضنا، وارحم ميتنا، واهد ضالنا، اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا، واجعلنا في بلدنا هذا آمنين مطمئنين، من أرادنا بسوءٍ فاكشف زيفه، واجعل شأنه في تباب وأمره إلى خراب، يا رب العالمين، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وسنة نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك يا رب العالمين، انصر إخواننا الذين يقاتلون لإعلاء كلمتك يا رب العالمين.
وهاهم وقد اجتمع عليهم من الغرب والشرق، ولا ناصر إلا الله، ولا معين إلا هو سبحانه، وأنتم ترونهم في بلاد البوسنة وكشمير والشيشان لا منقذ لهم إلا الله، اللهم إنا نسألك أن تنصرهم على عدوهم، وأن تسدد رميتهم، وأن تجمع كلمتهم على التوحيد يا رب العالمين.
وهاهم قد اقتحموا المنطقة التي وقف عندها العسكريون النازيون الألمان في الحرب العالمية، وسموها بوابة موسكو قد اقتحمها المجاهدون المسلمون في بلاد البوسنة، وانتزعوها من أيدي الصرب، وقتل الله منهم أكثر من مائة، واختار الله الشهداء، نسأل الله أن يجعلهم كذلك، وأن يغفر لهم وأن يرفع درجتهم في عليين.
ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم الشهادة، وأن يجعلنا يوم الدين من الفائزين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.