[حكم طاعة الوالدين في ترك النوافل]
أما بالنسبة لترك النوافل مثل نافلة الحج والعمرة، فقد قال ابن قدامة رحمه الله: للوالد في حج التطوع منع الولد من الخروج إليه؛ لأن له منعه من الغزو وهو من فرض الكفايات والتطوع أولى.
وقال في مسألة: لا يجاهد من أبواه إلا بإذنهما.
أي: جهاد التطوع، ويروى ذلك عن عمر وعثمان وهو قول مالك والشافعي وسائر أهل العلم، واحتجوا بالأحاديث؛ ولأن بر الوالدين فرض عين والجهاد فرض كفاية وفرض العين مقدم، فإن تعين عليه الجهاد سقط إذنهما، وكذلك ما وجب كالحج وصلاة الجماعة والجمعة والسفر للعلم الواجب لأنه فرض عين، هذا عرفناه سابقاً أنهما لا يطاعان في تركه.
لكن بالنسبة للنوافل فإذا أمراه بترك النافلة مطلقاً لا يطاعان، لو قالا له: لا تصل صلوات نافلة أبداً، لا نسمح لك أ، تصلي إلا الفريضة، فماذا يفعل؟ لا يجيب.
إن قالا له: لا تصوم صيام تطوع نهائياً وليس عليه ضرر في الصيام، فإنه لا يجب عليه الامتثال، فليس لهما منعه من الأشياء النافلة مطلقاً، والسنن الراتبة إذا دعياه لحاجتهما المرة بعد المرة فليطعهما، أي لو قالا: لا تصل السنة، تعال نريدك في مشوار، يذهب معه هذه المرة، صلاة الليل تعال أريدك في قضية، ليس فيها شيء، لكن دائماً يقول له: لا تصل ولا نافلة ولا سنة راتبة ولا قيام ليل، فلا يطاعان في هذا، لأن هذا ليس من حقهما.
هذه قاعدة: إذا كان النهي عن النوافل على سبيل الدوام واللزوم فلا طاعة لهما؛ لأن فيه إماتة لشعائر الإسلام.
وذكر بعض أهل العلم: أن الوالد لا يجوز له منع ولده من السنن الراتبة، وكذلك الزوج لا يمنع زوجته من السنن الراتبة، والسيد لا يمنع عبده من السنن الراتبة، وصاحب الشركة لا يجوز له منع الموظفين من السنن الراتبة بالكلية، فكل ما تأكد شرعاً لا يجوز منع الولد منه، وكذلك النفل المؤكد كطلب العلم إذا كان لا يضرهما، قال بعض العلماء: إنه لا يطاع في مثل ذلك.
وكذلك تطليق الزوجة برأي مجرد: طلق زوجتك لماذا؟ لا يوجد سبب، طلق، هذا لا يطاعان فيه حيث لا ضرر ولا ضرار، فإذا أمراه بطاعة الزوجة لمجرد هوى وهذا يحصل عليه ضرر فلا يلزمه الطاعة.
وسئل الإمام أحمد رحمه الله: عن رجل يصوم التطوع، فسألاه أبواه أو أحدهما أن يفطر؟ قال: يروى عن الحسن أنه يفطر وله أجر البر وأجر الصوم، وقال: إذا أمراه أبواه ألا يصلي إلا المكتوبة يداريهما ويصلي.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: ففي الصوم كره الابتداء فيه إذا نهاه، واستحب الخروج منه، وأما الصلاة فقال: يداريهما ويصلي.
وقد نص أحمد على خروجه من صلاة النفل إذا سأله أحد والديه.
إذاً: إذا كان النهي عن النافلة مطلقاً لا يطاعان، أما إذا كان مرة بعد مرة سألاه أشياء كثيرة؛ فيطيعهما.
إن نهياه عن طاعةٍ لهوى وتحكم ليس فيه أي مصلحة لهما، مثل لو قالا له: لا تحلق رأسك في الحج والعمرة، لماذا؟ قالا: لأنك سوف تصير أصلع وشكلك قبيح، لا نسمح لك أن تحلق رأسك في الحج والعمرة، فهذا تحكم ولا طاعة لهما في هذا مع التلطف والمداراة.