للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تدريس الشنقيطي للتفسير واللغة]

فقال: ليس من عمل أعظم من تفسير كتاب الله في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم -هذه أمنيته- تحققت أمنية الشيخ وحقق الله مراده، وبلغه أمنيته، وأُقر له درس في المسجد النبوي وفسر القرآن فيه مرتين، وتوفي ولم يكمل المرة الثالثة، كان بداية الدرس في عام (١٣٦٩) هـ وعام (١٣٧٠هـ) على مدار العام، ثم صار مقتصراً على الإجازة الصيفية في عام (١٣٧١) هـ حيث كان يدرس في كلية الشريعة واللغة في الرياض، فإذا نزل إلى المدينة في الإجازة الصيفية درس وأكمل التفسير، استمر على ذلك إلى سنة (١٣٨١) هـ حيث صار الشيخ مدرساً في الجامعة الإسلامية.

وكان يخص التفسير في وقت من الأوقات، في شهر رمضان من العصر إلى المغرب، ويُظهر فيه الأعاجيب فظهر علمه للناس، وكان يحرص على ربطه بالواقع ما وجد إلى ذلك فرصة، كربط تكشف النساء اليوم بفتنة إبليس لحواء في الجنة، في قوله تعالى: {يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} [الأعراف:٢٧] وقال: إن فتنة الجاهلية الأولى كانت أن يطوفوا بالبيت عرايا رجالاً ونساء.

وهاهو الشيطان في هذا الزمان يستدرجهن في التكشف شيئاً فشيئاً، بدءاً بكشف الوجه ثم الرأس ثم الذراعين إلى آخر كلامه رحمه الله، ومن أراد أن يرجع إلى كلامه فعليه أن يقرأ أضواء البيان في تفسير هذه الآية، ووصل إلى قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف:١٢] فتكلم في القياس كلاماً عجيباً في إثباته، والرد على ابن حزم وغيرهم من نفاة القياس، فعرف الناس منزلة الشيخ وعلمه واجتمعوا عليه وكان درسه حافلاً وكانت له ثلاث مستويات في التفسير، في الشرح الإسهاب والتوسع في المسجد النبوي في شهر رمضان من كل عام، من العصر إلى قريب الغروب.

الحالة الثانية: التوسط، وهذا كان في تدريسه في الفصل، والاقتضاب إذا رأى في آخر السنة أن الوقت قد ضاق والمنهج لم يكتمل، فإنه كان يختصره اختصاراً، تولى تدريس التفسير في دار العلوم في المدينة، عام (١٣٦٩) هـ إلى أن انتقل إلى الرياض عام [١٣٧١هـ] ودرس التفسير والأصول بالمعهد العلمي وكليتي الشريعة واللغة، وظل هناك عشر سنين استفاد منه من لا يُحصى في الدروس النظامية وغيرها.

كان يتكلم في علم الأصول في الرياض الشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ محمد خليل هراس رحمهما الله، فلما جاء الشنقيطي إلى الرياض سُلمت الراية إلى صاحبها، وحصلت المناظرات وعقدت المجالس، وكانت تلك المجالس حافلة جداً، لا شك أنه قد فاتنا الخير العظيم، نحن كلنا ما حضرنا هذا ولا رأيناه، فلا شك أن مثل تلك المجالس يتأسف الإنسان وبود كل واحد أنه حضر تلك المجالس.

الشنقيطي رحمه الله يتكلم في الأصول، لو أنك قلت بأنه لا يُعرف مثل الشنقيطي رحمه الله في التفسير والأصول في هذا العصر -أقصد في هذا الزمن الذي نعيش فيه- لكان ذلك صحيحاً واضحاً، تفسير وأصول لا يُعلى على محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله يُسلم له بذلك، وكان الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد ناصر الدين الألباني يحضران مجلسه في التفسير في المسجد النبوي.

وكان أيضاً يعقد له في صحن المعهد في الرياض بين المغرب والعشاء درس، وكلفه الشيخ محمد بن إبراهيم المفتي السابق رحمه الله بتدريس أصول الفقه لكبار الطلبة، قال: هو أحق بذلك مني، فعقد درساً خاصاً لنجباء الطلاب بعد صلاة العصر، وأملى وشرح مراقي السعود، وحصل بعد فتح الجامعة الإسلامية عام (١٣٨١) للهجرة انتقال الشيخ إلى المدينة، ليدرس في الجامعة.

وفي عام (١٣٨٦) للهجرة عندما افتتح معهد القضاء العالي بـ الرياض وكانت الطريقة استخدام الأساتذة الزائرين، كان من ضمن وأهم من يزور ذلك المعهد هو الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى، وصار الشنقيطي في لجان لأهل العلم تفتي في القضايا المعاصرة، وقد شهد له أهل العلم بحسن الإدارة، وبعد النظر في الأمور، وحسن التدبر للعواقب، ولما صارت بعض البعثات من الجامعة الإسلامية إلى بعض الدول الإسلامية، للدعوة والتعليم سافر الشنقيطي رحمه الله تعالى وكان لا شك فيه شوق إلى بلده، فذهب في رحلة من السودان انتهت في موريتانيا، موطن الشيخ، رافقه فيها عدد من أهل العلم، ويوجد الآن عشرة أشرطة تسجيل لدروس الشيخ في رحلة أفريقيا، عشرة أشرطة رحلة الشيخ إلى أفريقيا مسجلة وموجودة، ولا زالت محفوظة.